يا أهل الرياضة.. ما لكم كيف تحكمون؟

منقول


سعد أحمد سعد :

يبدو والله أعلم أن أهل الرياضة والمنشغلين بها وبأخبارها ليس لهم علم أو دراية بمصدر اشتقاق الكلمة أو هم لا يبالون.. وهذا في حد ذاته سبب كاف ليسيئوا لها دون وازع ولا مانع.
فمصدر اشتقاق الكلمة من الثلاثي روض يقول صاحب لسان العرب: رَوَضَ: الروضة الأرض ذات الخضرة والروضة البستان الحسن، عن ثعلب. والروضة الموضع يجتمع إليه الماء قكثير نبته، ولا يقال في موضع الشجر روضة وقيل الروضة عشب وماء ولا تكون روضة إلا بماء معها أو إلى جنبها.. ويمضي ابن منظور يجمع ما قيل في الروضة فيأتي بكل معاني الحسن والجمال والبهاء ويقرن ذلك بالماء أصل الحياة. فإذا جاء إلى المعنى الخاص الذي نحن بصدده قال: وفلان يراوض فلانًا على أمر كذا أي يداريه ليدخله فيه.. وهذا هو ما قامت عليه الرياضة التي نعرفها فما هو الأمر الذي نريد أن نُدخل فيه أهل الرياضة؟ لابد أن يكون أحد أجمل المعاني في الحياة الإنسانية العامة.. أليس كذلك؟! قال ولافى الدابة يروضها روضاً ورياضة وطأها وزللها أو علمها السير.
قال: ورضت المهر أروضه رياضًا ورياضة فهو مروض أو مروّض بالتشديد لأنك يمكن أن تقول أراضه أو روّضه فالرياضة هي إذن التعليم والتدريب والتهذيب والتطويع والتذليل لمجموعة من القيم والآداب والمعاني النبيلة التي أجمعت عليها الإنسانية مسلمها وكافرها لايختلفون في شيء منها لذلك أصبح من المتعارف عندنا أن الأخلاق الرياضية هي من أفضل الأخلاق، والسلوك الرياضي هو من أفضل السلوكيات. لذلك نقول ما دحين لأحدهم أن سلوكه رياضي وأن أخلاقه رياضية وإذا أردنا أن نعاتب أحداً على سلوكه أو نذمه نقول له خلي أخلاقك رياضية. وهذا ليس عندنا وحدنا بل إن الأخلاق الرياضية أصبحت أخلاقًا عالمية فجاء في قاموس وبستر Webster,s Dictionry كلمة Sportsman ship في صفحة 1137 من الطبعة العاشرة 1998 ما ترجمته بالحرف: سلوك يليق بشخص يشارك في عمل رياضي. وعدّد من أنواعه العدالة ـ واحترام المنافس وتحمل النصر والهزيمة. ونعود إلى ابن منظور فنجده يقول: والريض من الدواب الذي لم يقبل الرياضة ولم يمهر المشية ولم يذل لراكبه وهو عنده ضد الذلول.
هذا هو المحور الأساسي الذي دارت حوله قضية الصحف المسماة زوراً وبهتاناً بالصحف الرياضية وهي صحف غير رياضية ولا تمت إلى الرياضة بأي نسب ولارحم وهي مشحونة بالسباب والشتائم والهمز واللمز إلى حد الإسفاف.
فأصبح خير وصف لكل رياضي عندنا أنه ضيق العطن لا يتحمل النصر ولا يتحمل الهزيمة وليس في لؤم الأخلاق ما هو شر من أن يجمع أحد هذين الوصفين أي أنه لا يحمد على نعمة ولا يصبر على نقمة فنحن لا نسمع من أنصار هذا الفريق أو ذاك إلا المهاترات والسباب والصراخ وإغاظة المهزوم وفضحه على الملأ والاستعلاء عليه بالحق وبالباطل.. وهذه أخلاق لا نحب أن يتعلمها أبناؤنا فنحن هداة البشرية نهديها إلى أحسن السبل وأقومها فإنني أن أقول إن الرياضة الوحيدة التي تقوم على العنف وإيذاء الخصوم هي رياضة الركبي وهي رياضة أمريكية، اللاعب فيها محارب مدجج بآلة الحرب من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وأفضل اللاعبين أشدهم ايذاءً لخصمه وأسرعهم إطاحة به.. والجمهور يطير فرحاً كلما رأى لاعباً ساقطاً قد وطئته سنابك اللاعبين وحوافرهم وهي على ما أظن اللعبة الشعبية الأولى في أمريكا والآن أظن أن اسمها تغير من الركبي إلى كرة القدم الأمريكية، هذه الحيثية الأولى في الدفاع عن قرار إيقاف ست صحف رياضية.
الحيثية الثانية هي أن الصحف الرياضية من أكثر الصحف توزيعًا وتتفوق على كثير من الصحف السياسية التي تسمى السلطة الرابعة.. ومع كل هذا الإسفاف والإهدار لمال الأمة فإن الصحف السياسية ذاتها تفرد صفحة كاملة أو صفحتين لأخبار الرياضة والرياضيين في الداخل والخارج فما هو الداعي للتصديق بكل هذا الكم الهائل من صحف المهاترات والتنابز بالألقاب؟
لا أعتقد أن إيقاف صحيفةرياضية لا أعتقد أن إقاف صحيفة رياضية يعتبر اعتداء على حق خاص يبيح لصاحبه اللجوء إلى القضاء.. وإذا حدث ذلك فإن الضرر الذي يصيب المجتمع في أخلاقه وفي ثرواته أكبر بكثير من المصلحة الخاصة التي تعود إلى صاحب الإصدارة الرياضية أو إلى قرائها.
وأعتقد أن مجلس الصحافة والمطبوعات من حقه أن يوقف أية صحيفة إذا رأى أنها تشكل تهديداً لأمن المجتمع والأمن الأخلاقي أشد ضرورة من الأمن الغذائي. «والله يقول ولتجدنهم أحرص الناس على حياة...» وقوله حياة هنا جاءت بالتنكير إلى الحياة التي لا يتمتع صاحبها إلا بنعم الأكل والشرب فقط دون سائر النعم الأخرى. وأرى أن يصدر المجلس الوطني قانوناً يتيح لمجلس الصحافة والمطبوعات أن يحدد عدد الصحف الرياضية في الساحة بحيث لا تزيد على عدد معلوم وأن يلزمها بضوابط المهنة وأن يحتفظ لنفسه بالحق في إيقاف أية صحيفة تتجاوز ضوابط المهنة وكل ذلك على أسس يرعاها مجلس الصحافة والمطبوعات في تعامله مع الصحف الرياضية.. ومن ثم تستطيع أية صحيفة متضررة أن تذهب إلى القضاء..
الحيثية الثالثة: أين هي الرياضة السودانية التي تستوجب كل هذا التناحر والتشاكس؟ منذ كم من العقود لم يفز السودان أو فريق من فرقه ببطولة تتجاوز حدوده الجغرافية؟
ففيم يتشاتم هؤلاء الشباب والشيوخ لا يكادون يذكرون شيئاً من أمجاد السودان الرياضية خاصة في كرة القدم التي تفوز بالقدح المعلى وتستأثر بكل الاهتمام. بالمناسبة أنا هلالابي منذ الوسطى والأولية ولكن بالله أليس عيبًا على كل السودانيين في ظل صحافة القدح والردح أن لا يجد الهلال طريقه إلى المربع الذهبي إلا على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد»