المغزى السياسى لفوز باراك أوباما (رؤية سودانية)‏(2)

كيف استطاع هذا الشاب الأسود من أم بيضاء وأب كينى مسلم أن يشق طريقه الى القمة ويهزم "بنت ‏الأكرمين" هيلارى كلنتون التى تربعت سيدة أولى فى البيت الأبيض لمدة ثمانى سنوات ابان تولى ‏زوجها رئاسة البلاد (1993-2001)، وصارت عضوا فى مجلس الشيوخ لدورتين عن ولاية نيويورك ‏الغنية والمؤثرة فى السياسة الأمريكية، وحظيت بتأييد قيادة المؤسسة الحزبية حتى ظن الناس أن فوزها ‏بالترشيح أصبح أمرا مفروغا منه أمام هذا الشاب الأسود المستجد الذى لم يكمل دورته الأولى فى ‏مجلس الشيوخ؟ أول ميزات أوباما أنه طرح نفسه داعية للتغيير من سياسات واشنطن الخاضعة ‏لمجموعات الضغط والمصالح وذلك بالعمل من أجل الوحدة الداخلية بين الأعراق والديانات والألوان و ‏بالاهتمام بالمهمشين والفقراء الذين عمل بينهم فى أحياء شيكاغو الطرفية، وبتقديم وجه أكثر انسانية ‏لأمريكا بعد أن أصبحت مكروهة فى أنحاء كثيرة من العالم بسبب سياسة جورج بوش العدوانية ‏والمتغطرسة، وبوقف الحرب الدائرة فى العراق فى أقرب وقت ممكن لأنها استهلكت أموالا طائلة دون ‏أن تجلب أمنا أو تحدث استقرارا والتى عارضها منذ البداية، وبالتفاهم مع الدول المعادية لأمريكا فى ‏الشرق الأوسط مثل ايران وسوريا بدلا من الدخول فى حرب معهم، وثانى ميزات الرجل أنه خطيب ‏مفوه جذاب مثل جون كيندى ومالكلوم اكس ومارتن لوثر ومحاور ذكى وأنه وسيم ورشيق فى مقتبل ‏العمر وكذلك زوجته! واستطاع أوباما أن يدير حملة انتخابية مخططة وذكية وبمقدرة تنظيمية عالية، ‏اعتمد فيها على الانترنت وسيلة للتواصل مع الناخبين ولجلب التبرعات الصغيرة بدلا من الاعتماد على ‏تبرعات الأغنياء والشركات (الحد الأقصى المسموح به فى التبرع هو 2300 دولار) مما جعله أكثر ‏المرشحين جلبا للتبرعات على غير ما يتوقعه المرء، لقد اضطرت هيلارى كلنتون ان تقرض ميزانية ‏حملتها الانتخابية حوالى 10 مليون دولار من حر مالها بعد أن أوشكت الحملة على الافلاس، وركز ‏على مؤتمرات الحزب الصغيرة (الكوكس) التى يدور فيها نقاش متعمق بين المرشح والناخبين وهى ‏ترسل فى مجموعها أعدادا مقدرة من الممثلين رغم قلتهم فى كل ولاية فى حين ركزت السيدة كلنتون ‏على الأصوات الشعبية العامة. وكانت النتيجة أن كسب أوباما أصوات معظم السود (حوالى 90%) ‏وأكثر من نصف الشباب البيض الدارسين فى الكليات والمهنيين، ولكن تأييده كان أقل من النصف بين ‏العمال البيض الذين يشكلون قوة انتخابية كبرى وبين الأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية (أمريكا ‏الجنوبية) والبيض الذين تجاوزوا الستين من العمر والمسيحيين الانجليين الذين يصوتون عادة للحزب ‏الجمهورى وبين اليهود الذين يتوجسون من خلفية أبيه الاسلامية. ‏