يا بابكر,,, لا!!!

في كل الأوقات ,, كان هناك أثر لبابكر في حياتي,, ولربما كل حياتي هي ردود افعال لما يفعل بابكر,, لم يكن بابكر يعلم ذلك ,, ولا أنا ,,لم يكن بابكر قدوة لاحد ولم يحلم بان يكون قدوة في يوم من الايام,,, كان بابكر يفعل كل ماهو سلبي وضار اينما حل ,, وبذلك كنت اتجنب كل ماهو سلبي وضار كرد فعل فقط,, وأخيرا وجدت نفسي افعل الايجابي بقدر الامكان واحاول ان اكون صالحا.
ألتقيت بابكر مصادفة بعد زمن ليس بقصير,, آخر مرة كنا سويا بعد امتحانات الشهاده الثانوية ,, حيث تم قبولي بكلية الهندسه وهو بالكاد تحصل علي شهادة ثانوية ,, لم يبقي طويلا بالحي وسمعنا انه التحق بالجيش,, من حينها وانا اسمع عنه ولا التقيه,,, هذه المرة التقيته عينك عينك,, وانا في زيارة لاحدي الشركات التي تقوم بهدم وتكسير احدي القري التي اجلي عنها اهلها تمهيدا لبناء احد السدود,, ولما كانت الشركة التي اعمل بها هي من يقوم ببناء السد,,كان لي دور في الاتصال بشركة الهدم,,,قام مدير الشركة بالترحيب بي قائلا:
ودحلال ,, شويه كده وحيجينا المقاول الذي سيقوم بعمليات الهدم وإجلاء الانقاض.
ما كانت الا دقائق وأطل علينا بابكر من خلال الباب,,,, ذلك الذي "لا يغباني"
كانت تبدو عليه السعادة الغامرة لرؤيتي ,, وما انفك يردد للمدير ,, دفعه ,فرده, مربتا علي ظهري.
كانت تبدو عليه دلائل النعمه والدعه,, مرتديا جلبابا ومتلفحا بعمة وشال,, من ذلك النوع الذي يرتديه اصحاب الاموال والسلطه في هذه الايام,,أجاب علي تساؤلاتي الصامته عن شركة المقاولات,, قائلا:يمكنك ان تشتري أي شئي هذه الايام,,,,!!!
افترقنا علي ان نلتقي قريبا,,, بعد ان عرفت منه انه أحيل للتقاعد المبكر من الجيش,, نسبة لاصابته في احدي المعارك ,,منذ 4سنوات ودخل بعدها مجال الاعمال,, متزوج من 3 نساء اصغرهن تعمل بالمحاماة التقاها قبل سنة,, والرابعه في الطريق ,, كما اضاف مقهقها.
لا ادري متي بدأت علاقتي بباكر,,, ولكني وعيت يوما وانا في الثالثة او الرابعه من عمري ووجدت بابكر في حياتي,, كان ابنا للجيران,,الذين تربطنا بهم البلدة البعيده في الشمال من حيث اتي والدانا,,, كان بابكر شقيا ونحن بعد يفع,, واكاد اجزم ان كلمة "بابكر لا" لم تفارق اذني حتي افترقنا
بابكر لا,,ماتتكل علي الزير
بابكر لا,, خلي السواسيو
بابكر لا ما تقرب من الكانون
بابكرلا ما تقش الملاح في السرير
بابكر لا,,طلع يدك من نخرتك
بابكر لا,, حبال العنقريب خليهن
بابكر لا ماتهبش رأس الشافع
بابكر لا ,,غسل يدك أول وتعال اكل
بابكر لا,, ما تبزغ في الكوز
بابكر لا,,انتظر الضيوف يشربوا المويه
بابكر لا,,, خلي اخوانك ينوموا بكره عندهم مدرسه
اصبحنا اكبر وتطورت التحذيرات:
بابكر لا,, ما تطلع فوق الحيطه
بابكر لا ,, ما تجدع الجيران
بابكر لا,,ماتهبش جيوب ابوك
بابكر لا,,,ما تشحد قروش من زول
بابكر لا,,النبلة دي بتقد ليك عينك
بابكر لا ,, ماتدق ود الناس ,, ورجع ليهو البلي بتاعو
وكان بابكر لا يرتدع,, فكل ما قيل له لا امعن فيما يفعل,, وكأنما كان يستمتع بقول لا
كان بابكر يفعل وانا اتبعه فيما يفعل كم من مرة جلدنا بسبب بابكر؟؟؟ مرات ومرات.
كنت كل صباح وبمجرد ان اعي اين انا اتساءل اين بابكر واذهب بحثا عنه,,وبعدها صرت لست في حاجة لابحث عنه,, فقد ذهبنا الي الروضه والابتدائي والمتوسط وحتي الثانوي سويا.
كانت ماما ساميه" او ساميه ست الروضه كما كنا نسميها" اولي ضحايا بابكر,, ولطالما رددت "بابكر لا" كان بابكربعبعا في الروضه وكم من الاباء من حجب ابناءه عن الروضه بسبب بابكر,, ومن من ابناء الروضه لم يعاني ,, ضربا,, خدشا,, وربما جرحا من بابكر,,كان يختار ضحاياه ممن هم انظف وارق منا,,واكثرهم كان من الفتيات,,
جاءت يوما نوال تبكي وهي تحمل فطورها" كان يوضع في بستله" تشكو الي ماما ساميه لتجده مملؤا بالتراب,, وكان الفاعل طبعا بابكر.
وصرخت يوما فائزه واغمي عليها حتي افاقتها ماما ساميه برش الماما,,ويومها كان بابكر قد قتل ضبا واخفاه في جيبه,,ووقف ساكنا وراء احدي الحوائط,, ليرميه علي احدي الضحايا,, والتي كانت فائزه.
تنفست ماما ساميه الصعداء حين بلغنا السابعه,, وسيحين موعد تسجيلنا بالمدرسه الابتدائيه,, ولكن بابكر لم يرد ان نذهب الي الابتدائيه دون ان يترك بصمته واضحه في الروضه,,
في ذلك اليوم,, أتت جارتنا سميره تقتاد ابنتيها معها ودخلت للحديث مع ماما ساميه ,, بعد ان نظرت الينا شذرا انا وبابكر,,جرني من يدي بابكر لنجلس تحت الشباك نتسمع مذا يقولون:
: شوفي يا استاذه كلو سكتنا عليهو ,, شريط هدوم ,, دق,, قلع فطور,, لكن دا ما بنسكت عليهو ,, وروضتكم دي قرو فيها بابكر وصاحبو دا براهم!!!
: مالك يا سميره ,, كدي بردي نفسك وقول لي الحاصل شنو؟؟
:نحن زمان قلنا,, اولاد وبنات ما تقروهم سوا مع بعض ,, لكن كلام القصير ما بتسمع!!!!
:يا ستي هم فاضلين شهرين وبابكر وصاحبو ماشين الابتدائي,, وكان فات بابكر وصاحبو دا,,, الروضه ولا الناس الفي الروضه ما بتجيهم عوجه
: خلاص دا القدرتو عليهو!! انا عموما بنات تاني ما جايات,, لكن أرجو الراجييكم.
خرجت سميرة وهي تقود ابنتيها بعيدا عن الروضه.وظننا انا وبابكر إننا قد نجونا
ولكن ظهر ذلك اليوم كان يوما عجيبا في تاريخ علاقتي بباكر وفي تاريخ عقوباتنا علي كثرتها,,نودي علي انا وبابكر,, لم يتحدث معنا عم محمد" ابو بابكر" بل اغلق علينا باب الديوان وعمل فينا وفي ظهورنا سير الكهرباء عملا لا تزال اثاره باقيه.

ما فعله بابكر في سنين دراستنا يحتاج لكتب,,كم من شنط مُزقت,, وسكب عليها الحبر,, وكم من ادراج وكنبات كُسرت,,كان لا يخلو جدول المهرجلين من بابكر,, وكان اسمي يضاف كل ما حلت مصيبه بشخص او شئي.
وزدنا طولا وعمرا وزادت افعال بابكر وزنا وسلبا,,,كانت احب الكتب الينا أرسين لوبين,,وعندما كان الاخرون يراجعون دروسهم بالمذاكرة كنا انا وبابكر منغمسين مع مذكرات اللص الظريف,,وكنا نتحايل علي صاحب المكتبه,, ونأخذ احدي الكتب خلسة او نتحايل علي " قروش الخضار" لتوفير ثمن الكتاب,,,علمني كيف ندخل دار الرياضه دون ان ندفع,, وحتي السينما,, كنا نتحايل في الدخول اليها,, وكنت معه يفعل فافعل ما يفعل,,كان يستمتع بما يفعل ويجبرني ان افعل إن احجمت قائلا" ياجبان"
قضيت المتوسطه,, وانا اما مشارك او متفرج او شاهد علي شنائع صاحبي بابكر,كم تبولنا في سبيل الجامع,وكم نفسنا من اطارات العجلات والسيارات,, كم مرة جلدنا في الطابور علي ملأ من الناس,, والسبب دائما بابكر,اذكر في مرة من المرات,, وكنا بميدان المولد,, وكان لنا استاذ انجليزي معروف بصرامته مع الطلاب,ما أن رآه بابكر حتي خطر بباله ان هذه فرصه لا تعوض بالانتقام منه,, وفي هذه المره كنت جبانا ,, اكتفيت بالمراقبه,, ساربابكر وراء الاستاذ اينما تحرك,اخيرا ذهب الاستاذ لاحدي طبليات الحلوي المنتشره, وكانت تقف بجانبه سيده اخري ,,تسلل بابكر خلفهم وقام بربط ثوب السيده بجلباب الاستاذ,, ولكن حين هم بالرجوع لحظه الاستاذ وسلم عليه,,, بعد ان اكمل الاستاذ شراء ما يريد,, تحرك مبتعدا عن الطبليه,, واذا بشيئ يشده الي الخلف,, والسيده تصيح به سبا,, والناس من حولهم يتضاحكون,,وفي اليوم التالي كالعاده نودي علي اسمينا في الطابور,,, وكان ما كان.
دخلنا الثانويه ,,وانا اجد في كل يوم ما يجذبني الي بابكر اقل,, ولكني بحكم المعاشرة او جبنا,, ظللت معه,كنت اشاركه احيانافيما اعتقد انه يفيدني ولا اشاركه فيما هو ضرر خالص دون فائده, وكنت استغرب وانا اراه مبتهجا وهو قد احدث الضرر,,, مثلا,, عندما كنا صغارا كنا نتربص بقفص الدجاج لجارتنا,, كنا ناخذ منه بيضه او بيضتين,, وكنت استغرب عندما يقوم بابكر بتكسير ما تبقي!!!كان بابكر لا يري ولدا او شخصا لطيفا الا ضره,, ضربا في الكرة,,او مشاحنة بعد المدرسه,, او تمزيقا لكراساته في غيابه,,اوشق ثيابه خلسة بالموس التي لا تفارق جيبه.
ذهب بابكر الي الجيش وذهبت الي الجامعه,,, وطوال الوقت كلما اريد ان افعل شيئا من افعالي السابقه مع بابكر,, الا وصوت داخلي ينادي " بابكر لا" فارتدع,, وما هي الا سنوات الا ووجدتني قد تركت ورائي بابكر وافعاله.
اما بابكر فبعد تعيينه بالجيش,,, فقد بعث الي جنوب السودان حيث المعارك الضاريه وقتها,, والتمرد في جنوب السودان علي اشده,,وكان بابكر قد اظهر تفوقا واضحا علي اقرانه بفترة التدريب,, والتحق بسلاح المدرعات,,خاض معاركه تكسيرا وهدما كيفما اراد,,ما من قرية دخلها الجيش مع بابكر الا وقد سويت بيوتها مع الارض,,ورحمة من الله بعباده اصيب بابكر اصابة بالغة بساقه,, واوصت الجهات الطبيه بعدم لياقته الطبيه,كان وقتها رقيبا, عرض عليه ان يعمل بسلاح الاشاره عندما اصر علي البقاء بالجيش,, ولكن رفض وفضل ان يحال الي التقاعد.
بعد التقاعد,, عمل مقاولا ,, واول مشاريعه كانت,, تفجير الجبال في طريق كسلا بور تسودان,, ثم إزالة الغابات في طريق الدندر ,, والآن يعمل علي هدم القري في مشروع السد,,,
طافت كل هذه الذكريات بخاطري ,, وانا اقود عربتي عائدا الي منزلي,حيث تنتظرني زوجتي وبناتي الثلاث, بعد ان طلبت من مدير شركتي باعفائي من العمل في مشروع السد,, رغم انه كان سيضيف الي الكثير خبرة ومالا,,, ولكني خائف حد الموت من بابكر ثانية ,, وخاصة انه لن يجد من يقول له لا يا بابكر.

قلنا يامرغنى يا ولدى ان هاشم خليفة تنبأ لوالدنا الزبيدى امد الله فى عمره انك موهبة و فعلا انت موهبة ورائع رائع كمان ونحن فى انتظار المزيد 00

العمده,,, أشكرك حتي الثمالة,,,, قارئي الوحيد,, لك الود.

والله يا ميرغنى هاشم خليفة كلامة صاح موهبة . بابكر موجود فينا وفى زاكرة كل سودانى استمتع بالسودان الجميل والما قابل بابكر فى حياتة ما استمتع ودة إذا ما كنا نحنا زاتنا بابكر فى بعض الاحيان ونتمنى ان يكون بابكر مستمر فى المشهد السودانى طوالى
لك الود وأكيد بكرة أحلى

بكري لك التحية والشكر علي المرور والتعليق,, وكان انت بابكر !! براك يا اخوي نحن ما معاك,, لك الود.

من طرف ياسر الأحد ديسمبر 07, 2008 10:46 pm

شكرا على القصة الرائعة وننتظر المزيد ولك الحب

جميلة فكرة أن تفعل معكوس ما يفعله بابكر فتجد نفسك قد "أحسنت"

وصدقني يا ميرغني........
(هذا زمن الحق الضائع
لايعرف مقتول من قاتله .....ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس راسك)
صلاح عبد الصبور

أوليس هو نفسه زمن "بابكر" وبدون لأ؟؟؟؟

[طافت كل هذه الذكريات بخاطري ,, وانا اقود عربتي عائدا الي منزلي,حيث تنتظرني زوجتي وبناتي الثلاث, بعد ان طلبت من مدير شركتي باعفائي من العمل في مشروع السد,, رغم انه كان سيضيف الي الكثير خبرة ومالا,,, ولكني خائف حد الموت من بابكر ثانية ,, وخاصة انه لن يجد من يقول له لا يا بابكر.]
كان يجب ان تواصل فى العمل بالسد حتى تكون انت من يقول لبابكر لا !!!!!!

الاخ الرشيد/ لك التحية ومرحب ثانية بقلمك الناقد الرشيق ,, اضافة حقيقية للنقاش الحر بالمنتدي,, ولكن اخي الرشيد شخصية الراوي كما لاحظت تطورت مع القصة ظاهريا ولكن داخليا هو نفس الامعة الذي كان تابعا لبابكر ولم يقل لبابكر لا البتة,, وعندما استطاع ان يقول لا قالها لنفسه بعد ان غاب بابكر,,لم يكن بالامكان لشخصية مثل هذي ان تقول لا فجأة ,,بل اكتفي بالابتعاد ,, الذي هو اضعف الايمان ,,, شكرا كثيرا للاضافة واثراء النقاش,, لك الود.

من طرف نور الثلاثاء يناير 06, 2009 12:36 pm

القصه رائعه ارجو ان تواصل

شكرا الاخت نور علي المرور والتعليق,,, لك الود.

من طرف سلمى الشفيع السبت يناير 10, 2009 2:59 pm

سلااام يا المرغنى...حقيقه كل كتاباتك رائعات كروعتك امنياتى لك بمزيد من التقدم على جميع الاصعده.لك الود

زول يهبش لي سلمي دي عندها حمي ولا حاجه؟؟؟ اشكرك كثيرا كثيرا ,,, لك الود.

من طرف محمد الساهر الجمعة مايو 01, 2009 4:34 pm

القصة في قمة الروعة نرجو منك المزيد cherry

يا بابكر,,, لا!!!

يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!

رد: يا بابكر,,, لا!!!