شطة بي ليمونة

شطة بي ليمونة

كنت هناك,, ,في زمن ما!! قبل أن أمتطي قطار الصحو المبكر والواجب اليومي,كنت مابين الرابعة والخامسة,,,, واقفا بجانب بيتنا وبالتحديد في الناصية المطلة علي الشارع الرئيسي ,,, علي يساري الحفرة المسواة جيدا بالاسمنت من الداخل ,, تبدو مرتفعة اطرافها علي شكل مربع ومغطاة بقطعة من الصاج ,, يجري اليها شق في الارض نبتت بجانبيه مجموعة من الحشائش الطفيلية كنا نسميها مجازا{نجيلة} ,,
لو نظرت لمعظم البيوت في ذلك العهد لوجدت شيئا مماثلا لتلك الحفرة { بلاعة} ,, يبدو لانها تبتلع كل ما تجود بها اجسامنا من أوحال وأوساخ ممتزجة بماء الدش وقليل من صابونة نادية وفي احسن الأحوال بوكية,,,
كنت لحظتها ألعق بتلذذ شديد ما سال علي يدي من كيس الدندرمة ,, الذي حظيت به من جارتنا مقبولة ,, كانت دندرمة مقبولة هي ايسكريمنا في تلك الايام ,, وكان بيت مقبولة من البيوت القلائل التي تملك ثلاجة كولدير بيضاء من غير سوء..وكان بيتنا يخلو منها بسوء او بغيره.
علي حين غرة رأيته من هناك ,,, قادما نحوي,,, وخطوات {الكبك} الذي ينتعله,, دج ,,, دج,,,تحدث صوتا عاليا في أذني ,, تبتلع كل الصمت حولها إلا من دج,,, دج.,,, والسطل الكبير علي رأسه راقدا علي خرقة من القماش سويت جيدا كعمامة صغيرا علي الهامة تخفف الحمل علي رأسه,, يداه مرفوعتان الي قطعتين من الحديد الي جانبي السطل ,,, وقد بدت عضلاته المفتولة بعروقها النافرة من خلال الفانلة نصف كم والتي تبدو عليه كربع كم ,, بل أقل, كان يوما ما لونها ابيض,,,, يبدو صدره بارزا من خلالها, خال من الشعر ولكن امتلأ بنقوش بارزة عن الجلد ,,,كخطوط السكة حديد.
عندما وصل بي التطلع الي رداءه الكاكي ,, دار بذهني اني قد أضعت وقتا كثيرا,, كان يمكنني الهرب فيه,, هذا كتمة بأم عينه علي بعد خطوات مني ,,, لم يكن في يوم من الايام أكثر قربا ,,, كنا نجري صائحين وهو بعد في أول الشارع !!!,,, {عيفونة شطة بي ليمونة},,, ولكن في هذا اليوم تسمرت قدماي في إنتظار ما يحويه السطل أن ينزل علي أم رأسي وأبيه,,, إقترب خطوات مني ,في انتظار الفاجعه ,أغمضت عيني,, فتحتهما نصف فتحة, ثم علي مصراعيهما . وانا فاغر فاهي تساءلت: لماذا يبدو باسما أسنانه أكثر بياضا من الحليب ,ماكنت أحسب أن فمه يحتوي مثل هذه الاسنان.
وضع السطل علي الأرض ثم أدخل يده في جيبه ,,, وأنا مأخوذ من المفاجأة لا أستطيع أن أقتلع رجلاي من مكانهما,,, صوتي ,,, لا صوتي لي ,,, كيف أصرخ ,,
إقترب مني باسما وهو يمد لي قطعتين من{ حلاوة دربس},, لا أدري كيف إمتدت يدي لأخذهما ,,, ربت علي رأسي قائلا: شاتر,,,,,
لم أدر كم من الدقائق مرت قبل أن التقط انفاسي اللاهثة وأقتلع خطواتي الوجلة ,, جريا إلي داخل الدار.
لا حظت أمي نظراتي الزائغة ولوني المصفر,,, وتساءلت أين كنت ,, وماذا تحمل في يدك؟؟؟
لم أجبها ولكن فتحت يدي ,, لتري قطعتي الحلوي ,,, خضراء وحمراء { كيف عرف أني أحب الخضراء هذه ؟؟؟ كان لها طعم كحلوي النعناع ,,, تلذعك لذعا لذيذا علي اللهاة واللسان ,, وتحس طراوة وبردا حين تفتح فمك بعد إمتصاصها}
: أداني ليها كتمة{ أحسست من غير اللائق,, رغم صغر سني وجهلي بالأشياء,, أن أسميه عيفونة بعد اليوم}
: حلاوة شنو البديك ليها كتمة ,,, ؟؟؟ ثم فجأة التفتت إلي وأخذت مني القطعتين لترميهما في صفيحة القمامة رغم
سألتها يومها: يمه لأيه مافي عرب كتمات؟؟ { كنت أظن وقتها أننا عربا!!!}
ليلتها وما تلاها من ليالي لم يستطع أحد إجباري علي النوم مبكرا,, كالعادة ,, وعندما تحاول أمي إخافتي
: تنوم ولا انادي ليك عيفونة ,, كنت أبتسم في داخلي غير مبال ,, نعم عرفت السر.
لم يفلح بعدها البعاتي ,, أو السحار,,, في إخافتي ,,, كأنما تفتحت عقليتي مبكرا ,, صرت لا أخاف مجهولا.
لا بد أن أجرب بنفسي ما أخاف منه,,, وليتني لم أعد أفعل ذلك!!
أتري هي تجربتي الصغيرة هذي ما قادني إلي هذه الزنزانة القذرة ؟؟؟,,,
كان المجهول هذه المرة الحكومة!!!

.....................................................................................................................................

كان تيه قد تعود علي هروب الاطفال خاصة,,,,, وتحاشي الكبار, حتي السلام الا عند الضرورة كأن يكون الشارع خاليا ,, والمسافة ضيقة بينه والبين صاحب التحية الوجلة ,, ,,, و لو كانوا في مجموعة أو أثنين فلا داعي للسلام علي عيفونة,,,,
في ذلك اليوم ,, كان سعيدا بذلك الطفل الذي كان ينتظره بالشارع ولم يجر أو يناديه ,,, كما يفعل عادة الصبيان في سنه أو أكبرمنه حتي,,,,
كان تيه يحب الأطفال كثيرا,,حتي قبل أن يتزوج,,, زاد شغفه بالاطفال أكثر بعد أن فشلت التومة طوال هذه السنين الخمسة أن تهديه طفلا,,,وجم قليلا قبل أن يحيل البسمة عبوسا .
لماذا يحس في هذه الايام أن الدنيا صارت أكثر ضيقا ؟؟؟,,, هذه المدينة أتاها قبل عشر سنوات ,,, هي نفس البيوت ,, لا بل زادت عددا ,,, وزادت مساحة المدينة ,, ولكنها صارت أكثر ضيقا عليه,,,
: حتي الشغلانة النحس دي كرهتها !!,,, وهل كنت أحبها في يوم من الايام؟؟
كان يحدث نفسه ,, وهو يقوم برفع قطعة الصاج الصدئة ,, محدثة صريرا مزعجا ,, بينما بدأت الفتحة الضيقة النتنة خلفها ,,, يرقد بداخلها سطل آخر بنفس الحجم إن كان ممتلأً عن آخره ,,, حتي طفرت من جانبيه الفضلات مبللة جوانبه ,, ممتدة إلي أرضية الفتحة التي كانت بلاطا في يوم من ألايام ,,, جر اليه السطل من إحدي يديه ,, محاذرا أن يسيل منه المزيد علي الارضية,,, ممنيا نفسه بأن تكون قاعدة السطل سليمة ,, وليست مليئة بالثقوب,, وهي أمنية لا تحقق نادرا هذه الأيام بعد أن أهترئ كل شئ.دفع بالسطل الخالي بدلا عن السطل الممتلئي عن آخره.
كانت أيام تيه تجري بنفس الرتابة ,,, نفس الرفاق ,,, نفس التراكتور ,,, ونفس السائق { موسي} الذي أخذ مقعد القيادة بالأقدمية بعد أن أرتحل يونس,,,
كان عندما جاء في أوائل أيامه يمني نفسه بترقيته لذلك المقعد,, حتي أنه إستخرج رخصة قيادة ,, كلفته خمسا وسبعين قرشا ,, أبتلعت قدرا كبيرا من مرتبه ,, ولكن,,دائما ما تعترضته لكن في كل سني عمره,,, أحلامه ذهبت أدراج الرياح ,,, وهو يعرف الآن ان المقعد {أقدمية} وهو يأتي ثالثا ,,,
ثم أن المرتب هو هو منذ أن تم تعيينه ,, اللهم إلا زيادة الخمسين قرشا التي انعمت عليهم بها البلدية بعد مماطلة,,,,
كان العمل بالنسبة له عمل ,,, يجب أن يجوده ,, مهما كان نوع العمل ,,, تعلم ذلك أو عرفه يقينا من الزراعة التي كان يمتهنها قبل أن يأتي الي هنا ,,, فما تزرعه تحصده ,,تزرع جيدا وفي الوقت المناسب بالبذور المناسبة ,,, وتراعي زرعك كالطفل حتي ينمو ,,, تحصده زرعا جيدا,,والا فلا ,طاف شبح إبتسامة وهو يذكر تلك الايام,كانت وقتها الدنيا واسعة شاسعة, فاتحة ذراعيها,,,
بدأ تيه مهموما وهو جالس بجانب رفاقه علي التراكتور,,, أقل مزاحا ونشاطا ,, حتي أن صديقه كوة لاحظ ذلك
وقال ممازحا: صُر ليها ,, بتصُر ليك ,,, فكها يا أم.
: والله صرينا ليها ما نفع ,,, دحكنا ليها ما نفع .
: تجي نأمل إدراب؟؟؟
: والله فكرة الدنيا دي كلها أدربت إلا نحن والدايات؟؟؟
سرح به خياله ,,, تجمهر عدد كبير من المواطنيين بالبلدية وهم يطالبون بتنفيذ مطالب عمال الصحة ,,, واللافتات من طلبة المدارس مكتوب عليها : عمال الصحة أمل الأمة,,, بينما لافتة أخري كتب عليها باللون الأحمر : عمال الصحة ركيزة التقدم ورفاهية الأمة{ ضحك من رفاهية هذه },, ولكن شد إنتباهه مجموعة من النسوة يلبسن ثيابا بيضاء تتقدمهم لافتة : نساء السودان وراء عمال الصحة { حتي إنتن}.
ولم لا ورائحة المدينة قد فاحت وازكمت الأنوف ,,, سبع أيام فقط ,,, وكل هذه الرائحة والضجيج ,, والجميع خلف عمال الصحة ,,,:طيب يا أولاد الكلب وين من زمان .بدا له موسي يقول هذا وهو متكئ علي جانب التراكتور,, بينما كان كوة يعمل قشة صغيرة بين أسنانه جيئة وذهابا ,,, قال كوة بعد أن بصق علي الأرض : عشان إعرفوا عيفونة منو؟؟؟
نحن يا ولاد {,,,,} نشيل وسخكم وعفنكم ليل ونهار ,, بعيدا عن المدينة وعن أنوفكم ,,وبرضو نحن عيفونة ,, ياأخي والله حاجة غريبة ؟؟ العفن جايي من وين ؟؟؟,,, منكم انتو... ولمن نشيلو نحن بعيد نبقي نحن عفن,,
: سبهان الله
عاد إلي ما هو فيه من مرارة بعد أن هدأت ماكينة التراكتور لتتوقف تماما بجانب أحد الأحياء,,,أحكم وضع خرقة القماش علي رأسه ووثب إلي الأرض,, قائلا:
: يلا يا شباب خلونا نخلِس بدري
مشي بخطواته الواسعة الي أقرب البيوت وهو يحدث نفسه ثانية :
والله الشغلانة دي بعد مشاكلها الكتيرة وقروشها الشويه دي بتعلمك حاجات كتيرة,,, يعني مثلا زي الحي النضيف دا ,,,فضلاته ,, زي فضلات أي حي تاني ,رغم أنو البلدية بتجاملهم وبتجيب ليهم جرادل أجدّ,,, لكن الرائحة هي نفس الرائحة ,,, المحتويات هي هي وإن أختلفت الجرادل ,, وأختلف كثيرا ما يأكلون ,,,
يبدو لي أن الخالق جعل الناس يستوون هنا,,, أب جلابية مكوية سيف وأب عراقي مكرفس,, صاحب الاوبل الجديدة واب كداري ,,,كلو واحد ,, لا بد له من لحظة يأتي فيها لهذا العفن ,, لعله يذكر أنه بشر ولو للحظات ,, لعل وعسي أن يطاطئ قليلا بأنفه,, إن صعب عليه الرأس كله.
قال محدثا نفسه ولكن بصوت عالي هذه المرة:
كلهم سوا سوا ,,, عندنا كبير الجمل ,, ما بيفرق عندنا فلان ولا علان ,,, الكويس نحن كويسين معاهو ,,, واصبعيني الاتنين ديل في عين أجعص واحد يقل أدبو..... و,,,
أتاه صوت كوة من خلفه : تيه أنت حلجت ولا شنو؟؟
لم يجبه.... ولكن :أنا أعقل من أي يوم تاني

جرئ حد الإحساس برائحة نتنة تتسرب الى أنفك

واضح حد الإظلام

مهموم ب(الذين باسمهم تشتعل الثورات) ثم لايجدون من أوارها إلا...الرمـــــــــــــــــــــاد.

لك التعازي

أخي / هيثم

سين , عين , دال, وتااء ,كثيرا بمرورك,, الرسالة وصلت,,إحساسك يكفي,, بس الإظلام دا ناسو معروفين وما عايزين يطلعوا لينا ,,, لك الود.

عمنا لك التحية وعندى سؤال انت عم تية ده ابو هاشم تية كرتون الشهير بكندورة

من طرف عماد الشفيع السبت يونيو 06, 2009 10:03 am

سعدت كثيرا بابداعتك ورجعتنا وراء للزمن الذى نعتبره نحن جميلا بمعاناته وببساطته لكن سؤالى هل الشباب الحالى يعرف عيفونة ؟

من طرف هالة الزبيدي السبت يونيو 06, 2009 7:28 pm

لك التحية دكتور مرغني
غاية في الروعة وما دايرة اقول انا متزكرة عيفونة ما تحسبوني مع الجيل الجديد
يديك العافية

بكري عماد هالة اشكر مروركم,,,,ناسف كثيرا للرد المتأخر جدا,,,
لكم الود.

من طرف **خالدعمرحسن** الجمعة نوفمبر 20, 2009 10:04 pm

رائع يا دكتور ..
رغم إني من مواليد بداية الثمانينات لكني أتذكر
هذه الأشياء (طشاش طشاش)

وشطة بي ليمونة ,,, أعادتها إليّّّّّّآا كما كانت البارحة ..
وكفي ...

شطة بي ليمونة

شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة

رد: شطة بي ليمونة