مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
المصريين وهمهم التاريخي السخيف
2 مشترك
أصحاب جد كوم :: المنتديات العامة :: الثقافة :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
المصريين وهمهم التاريخي السخيف
منذ حملة حاكم مصر، محمد على باشا، ضد الممالك والقبائل السودانية عام 1821، وحتى حملة المصريين التشويهية ضد الشعب السوداني عقب هزيمة فريقهم لكرة القدم في الخرطوم مؤخرا، لم تعرف العلاقات السوداينة – المصرية معنى الندية الطبيعي بين الدول المستقلة ذات السيادة.
ظل الساسة المصريون منذ فاروق الذي أوهموه أنه (ملك مصر والسودان)، وحتى اليوم يعتبرون السودان مديرية مصرية. بل من أكبر مآخذ اليمين المصري ضد الثورة الناصرية اليسارية، أنها قد فرطت في "السيادة على السودان".
حدثني أحد ضباط الجيش المصري المتقاعدين، ان السادات قد غير عقيدة الجيش المصري بعد إتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائيليين تغييرا جذريا. وقد بنى عقيدة جيشه الجديدة على عدم قيام الجيش المصري بأي مهام قتالية خارج الارض المصرية "إلا في السودان"
واليوم يهدد المصريون بإرسال "قوات أمنية" للحفاظ على سلامة المصريين في السودان.
وحتى تتضح الصورة المخجلة للعلاقة بين السودان ومصر، ومن أجل محاولة معرفة الخلل، سوف نعود بالنقاش قليلا إلى الوراء، إلى بداية نشأة هذه العلاقة في التاريخ الحديث المتمثلة في حملة محمد على باشا لجمع الرقيق ثم نسلسل الأمر حتى الحادثة الكروية الأخيرة..
وسوف تكون محاور هذه المقالة على النحو التالي:
1 – علاقة الاسترقاق
2 – لهاث الساسة المصريين وراء السيادة على السودان
3 – خيبات التيار الإتحادي ضمن السياسة السودانية
4 – الدكتاتورية العسكرية في السودان وإدمان الخنوع لمصر
5 – الكيل الذي طفح اليوم
ظل الساسة المصريون منذ فاروق الذي أوهموه أنه (ملك مصر والسودان)، وحتى اليوم يعتبرون السودان مديرية مصرية. بل من أكبر مآخذ اليمين المصري ضد الثورة الناصرية اليسارية، أنها قد فرطت في "السيادة على السودان".
حدثني أحد ضباط الجيش المصري المتقاعدين، ان السادات قد غير عقيدة الجيش المصري بعد إتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائيليين تغييرا جذريا. وقد بنى عقيدة جيشه الجديدة على عدم قيام الجيش المصري بأي مهام قتالية خارج الارض المصرية "إلا في السودان"
واليوم يهدد المصريون بإرسال "قوات أمنية" للحفاظ على سلامة المصريين في السودان.
وحتى تتضح الصورة المخجلة للعلاقة بين السودان ومصر، ومن أجل محاولة معرفة الخلل، سوف نعود بالنقاش قليلا إلى الوراء، إلى بداية نشأة هذه العلاقة في التاريخ الحديث المتمثلة في حملة محمد على باشا لجمع الرقيق ثم نسلسل الأمر حتى الحادثة الكروية الأخيرة..
وسوف تكون محاور هذه المقالة على النحو التالي:
1 – علاقة الاسترقاق
2 – لهاث الساسة المصريين وراء السيادة على السودان
3 – خيبات التيار الإتحادي ضمن السياسة السودانية
4 – الدكتاتورية العسكرية في السودان وإدمان الخنوع لمصر
5 – الكيل الذي طفح اليوم
عدل سابقا من قبل ابوبكر الزبيدى في الخميس ديسمبر 03, 2009 7:05 pm عدل 1 مرات
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
– علاقة الاسترقاق
في المدارس الإبتدائية (زمان كان في السودان مدارس)، كتب لنا مزيفو التاريخ من بقايا المدجنين ثقافيا، أن محمد على باشا قد شن حملته الجائرة البربرية على الممالك والسلطنات والمشيخات القبلية السودانية، بحثا عن الذهب و"الرجال".
تجنبوا قول الحقيقة المرة من أن الباشا كان يبحث عن "العبيد" . وحتى نخرج الحديث من فجاجة الاتهامات إلى نصاعة الحقائق التاريخية، نورد هنا بعضا مما جاء في رسائل محمد على باشا لابنائه وعماله في السودان، حتى لا يبقى مجال لمزايدة مزايد. (المصدر بحث "معركة كرري" المعروف للجميع).
كتب الباحث زلفو:
"والمتصفح لمخاطبات محمد على التي ارسلها لإبنيه اسماعيل ثم إبراهيم وهو يحثهم (هكذا وردت في الطبعة الأولى من الكتاب "يحثهم") حثا على مواصلة إرسال الرقيق، يستشف فورا رغبته المحمومة واهتمامه البالغ بجمع أكبر عدد ممكن للدرجة التي قسم فيها عملية الاستجلاب إلى عدة أطوار من حملات الاصطياد فالترحيل والفرز والتطويع"
(حملات الاصطياد فالترحيل والفرز والتطويع).
هذا ما حدث لأجدادنا على يد تاجر الرقيق حاكم مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وأعرف أن لدى بعضنا من سخف الفكر ما يدعوه لاعتبار أن الأمر لا يخصه وأن تلك الحملات غالبا ما تكون قد توجهت إلى الأطراف، حيث (السود) من السودانيين. وأن هذا الأمر لا يعني (أولاد العرب).
وهذا تعفن ثقافي أربأ بنفسي عن مجرد الوقوف عنده.
وسوف أواصل النقل من رسائل الباشا تاجر الرقيق عن "معركة كرري".
في المدارس الإبتدائية (زمان كان في السودان مدارس)، كتب لنا مزيفو التاريخ من بقايا المدجنين ثقافيا، أن محمد على باشا قد شن حملته الجائرة البربرية على الممالك والسلطنات والمشيخات القبلية السودانية، بحثا عن الذهب و"الرجال".
تجنبوا قول الحقيقة المرة من أن الباشا كان يبحث عن "العبيد" . وحتى نخرج الحديث من فجاجة الاتهامات إلى نصاعة الحقائق التاريخية، نورد هنا بعضا مما جاء في رسائل محمد على باشا لابنائه وعماله في السودان، حتى لا يبقى مجال لمزايدة مزايد. (المصدر بحث "معركة كرري" المعروف للجميع).
كتب الباحث زلفو:
"والمتصفح لمخاطبات محمد على التي ارسلها لإبنيه اسماعيل ثم إبراهيم وهو يحثهم (هكذا وردت في الطبعة الأولى من الكتاب "يحثهم") حثا على مواصلة إرسال الرقيق، يستشف فورا رغبته المحمومة واهتمامه البالغ بجمع أكبر عدد ممكن للدرجة التي قسم فيها عملية الاستجلاب إلى عدة أطوار من حملات الاصطياد فالترحيل والفرز والتطويع"
(حملات الاصطياد فالترحيل والفرز والتطويع).
هذا ما حدث لأجدادنا على يد تاجر الرقيق حاكم مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وأعرف أن لدى بعضنا من سخف الفكر ما يدعوه لاعتبار أن الأمر لا يخصه وأن تلك الحملات غالبا ما تكون قد توجهت إلى الأطراف، حيث (السود) من السودانيين. وأن هذا الأمر لا يعني (أولاد العرب).
وهذا تعفن ثقافي أربأ بنفسي عن مجرد الوقوف عنده.
وسوف أواصل النقل من رسائل الباشا تاجر الرقيق عن "معركة كرري".
عدل سابقا من قبل ابوبكر الزبيدى في الخميس ديسمبر 03, 2009 7:04 pm عدل 1 مرات
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
في بداية الغزو كتب الباشا لإبنيه، إسماعيل وإبراهيم:
"وأنكم عاقدون العزم على إنكم متى أخذتم بنصره تعالى السود واستخرجتم منهم نسوانهم وصبيانهم، فابقيتموهم هنالك وبعثتم بذكورهم الصالحين لاعمالنا إلى الأامام. وحين يبلغ عدد هؤلاء الذكور عشرة آلاف تعقبونهم بإرسال ما استوقف وأستبقي من النساء والصبية ايضا"
وكان الباشا شرها مفتوح الشهية لاستعباد اجدادنا الأدنون. لم يكن لديه صبر. لهذا فقد هلك كثير من ضحياه نتيجة للعجلة والإرتجال في بعث الضحيا إلى مصر سيرا على الاقدام مكبلين عبر مسافات طويلة على أرض قاحلة وقاسية لا ماء فيها ولا ظل. والمقتطف التنالي من إحدى رسائل الباشا تاجر الرقيق يكشف عن قسوة قلوب المصريين عندما يظفرون بالغلبة.
كتب حاكم مصر في لغة عصر الإنحطاط المنحطة يقول:
" الجهات التي يرجى فيها وجود العبيد يستولوا على كثير منهم وإذا لم يمكن في العام الماضي الحصول على عبيد وفق مأمولنا بسبب قلة الخبرة والانشغال ببعض الامور .... ........................ والذين أمكن الحصول عليهم لم يوقوا التلف لبعد الطرق ولقلة بعض المهمات كالنافورة والماء إلا أنه لا مراء أن الطرق قد أتخذت فيها الاستعدادات في هذه السنة فأرني نشاطك فإني أرجو منك ألا تني في القيام بالغزوات كما قلت في متن كتابي وان تعتني بإرسال كثير من العبيد على حساب الفردة وأن تملأ ثكنات أسوان هذه السنة بالعبيد بفضل الله تعالى وأن تهتم بهذا الأمر أكثر من كل شأن ........ "
في عام 1836، قام الحكمدار خورشيد نفسه بغزوة على حدود السودان مع الحبشة واحضر معه بضعة آلاف شاب من البرقو والأنقسنا والبرتي وعاد إلى الرصيرص ومنها إلى الخرطوم. ولما ضمت كبانيات بحر الغزال ((هذه قدمها تاجر الرقيق الزبير باشا هدية منه لسيده حاكم مصر الذي جازاه فيما بعد جزاء سنمار )). ولما عين حسين الشلالي "مديرا للقرعة" أي لجمع العبيد في جهات الإستوائية، بلغ عدد العبيد السودانيين في جيش مصر 30 ألفا. وكان أغلب مديري السودان يسربون نحو 30% من العبيد ليباعوا لجيبوبهم الخاصة في أسواق العالم بواسطة تجار الرقيق
"وأنكم عاقدون العزم على إنكم متى أخذتم بنصره تعالى السود واستخرجتم منهم نسوانهم وصبيانهم، فابقيتموهم هنالك وبعثتم بذكورهم الصالحين لاعمالنا إلى الأامام. وحين يبلغ عدد هؤلاء الذكور عشرة آلاف تعقبونهم بإرسال ما استوقف وأستبقي من النساء والصبية ايضا"
وكان الباشا شرها مفتوح الشهية لاستعباد اجدادنا الأدنون. لم يكن لديه صبر. لهذا فقد هلك كثير من ضحياه نتيجة للعجلة والإرتجال في بعث الضحيا إلى مصر سيرا على الاقدام مكبلين عبر مسافات طويلة على أرض قاحلة وقاسية لا ماء فيها ولا ظل. والمقتطف التنالي من إحدى رسائل الباشا تاجر الرقيق يكشف عن قسوة قلوب المصريين عندما يظفرون بالغلبة.
كتب حاكم مصر في لغة عصر الإنحطاط المنحطة يقول:
" الجهات التي يرجى فيها وجود العبيد يستولوا على كثير منهم وإذا لم يمكن في العام الماضي الحصول على عبيد وفق مأمولنا بسبب قلة الخبرة والانشغال ببعض الامور .... ........................ والذين أمكن الحصول عليهم لم يوقوا التلف لبعد الطرق ولقلة بعض المهمات كالنافورة والماء إلا أنه لا مراء أن الطرق قد أتخذت فيها الاستعدادات في هذه السنة فأرني نشاطك فإني أرجو منك ألا تني في القيام بالغزوات كما قلت في متن كتابي وان تعتني بإرسال كثير من العبيد على حساب الفردة وأن تملأ ثكنات أسوان هذه السنة بالعبيد بفضل الله تعالى وأن تهتم بهذا الأمر أكثر من كل شأن ........ "
في عام 1836، قام الحكمدار خورشيد نفسه بغزوة على حدود السودان مع الحبشة واحضر معه بضعة آلاف شاب من البرقو والأنقسنا والبرتي وعاد إلى الرصيرص ومنها إلى الخرطوم. ولما ضمت كبانيات بحر الغزال ((هذه قدمها تاجر الرقيق الزبير باشا هدية منه لسيده حاكم مصر الذي جازاه فيما بعد جزاء سنمار )). ولما عين حسين الشلالي "مديرا للقرعة" أي لجمع العبيد في جهات الإستوائية، بلغ عدد العبيد السودانيين في جيش مصر 30 ألفا. وكان أغلب مديري السودان يسربون نحو 30% من العبيد ليباعوا لجيبوبهم الخاصة في أسواق العالم بواسطة تجار الرقيق
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
بشاشا سلامين،
نحن كسودانيين نعيش جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، حصل لنا اتصال بالإمبراطورية الإسلامية مرتين في التاريخ. مرة في التاريخ الوسيط حين وصلت جيوش هذه الإمبراطورية إلى مصر، فأرسل حاكمها، عمرو بن العاص، قائده، عبدالله بن أبي السرح الذي حين وصل إلى دنقلة، وراى قوة دفاع السود عن بلادهم، قرر أن يكتفي باتفاقية تضمن للإمبراطورية موردا سنويا ثابتا من "العبيد"، فكانت ما عرف في التاريخ باتفاقية (البقط). لكن مقابل ذلك كانت الإمبراطورية الإسلامية تورد لملوك النوبة (الخمر).
وواضح أن عبدالله بن أبي السرح لم يكن معنيا بنشر الإسبلام في بلاد "العبيد" وفضل "البضاعة" .
والتلامس الثاني حدث في التاريخ الحديث في حملة محمد على باسم خليفة المسلمين (الباب العالي).
وهذه أيضا لم تخرج من آفة الحملة الاولى، وهي جمع أجدادنا وبيعهم في أسواق النخاسة.
كلا الحملتين لجمع الرقيق جاءتنا من مصر "الشقيقة". بالله كيف تكون هذه البلاد شقيقة ونحن لا نعرف في تاريخنا القديم والوسيط منها سوى حملات الاستعباد؟؟
نحن كسودانيين نعيش جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، حصل لنا اتصال بالإمبراطورية الإسلامية مرتين في التاريخ. مرة في التاريخ الوسيط حين وصلت جيوش هذه الإمبراطورية إلى مصر، فأرسل حاكمها، عمرو بن العاص، قائده، عبدالله بن أبي السرح الذي حين وصل إلى دنقلة، وراى قوة دفاع السود عن بلادهم، قرر أن يكتفي باتفاقية تضمن للإمبراطورية موردا سنويا ثابتا من "العبيد"، فكانت ما عرف في التاريخ باتفاقية (البقط). لكن مقابل ذلك كانت الإمبراطورية الإسلامية تورد لملوك النوبة (الخمر).
وواضح أن عبدالله بن أبي السرح لم يكن معنيا بنشر الإسبلام في بلاد "العبيد" وفضل "البضاعة" .
والتلامس الثاني حدث في التاريخ الحديث في حملة محمد على باسم خليفة المسلمين (الباب العالي).
وهذه أيضا لم تخرج من آفة الحملة الاولى، وهي جمع أجدادنا وبيعهم في أسواق النخاسة.
كلا الحملتين لجمع الرقيق جاءتنا من مصر "الشقيقة". بالله كيف تكون هذه البلاد شقيقة ونحن لا نعرف في تاريخنا القديم والوسيط منها سوى حملات الاستعباد؟؟
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
ظل الساسة المصريون منذ عام 1841 وحتى قبيل استقلال السودان يصرون على أن من حق مصر "السيادة على السودان".
وقد ترجمت هذه الدعاوى السياسية شعبيا في مقولات سطحية مثل "أبناء النيل"، و"شعب وادي االنيل"
لكن إذا حاولنا تلمس الحقيقة، فإننا سنجد ان المصريين، حكومة وشعبا ومثقفين ومؤسسات، لا يعرفون شيئا عن السودان. المصريون بلا استثناء، يجهلون السودان جهلا تاما.
إسأل أي مصري عن الثورة المهدية.
أسأله عن الأسر الفرعونية السودانية التي حكمت مصر.
أسأله عن الأحزاب السودانية.
وسوف تكتشف الجهل الفاضح.
هذا الجهل دليل على الاستخفاف بشأن السودان والسودانيين.
ويتضح هذا الاستخفاف اكثر ما يتضح في سطحية الدعوة لوحدة وادي النيل لدى الساسة المصريين.
فمنذ عام 1920 وحتى اليوم ظل هناك وباستمرار حزب سوداني واحد على الاقل يدعو لوحدة وادي النيل.
فهل سمع إنسان بحزب إتحادي في مصر؟؟
وقد ترجمت هذه الدعاوى السياسية شعبيا في مقولات سطحية مثل "أبناء النيل"، و"شعب وادي االنيل"
لكن إذا حاولنا تلمس الحقيقة، فإننا سنجد ان المصريين، حكومة وشعبا ومثقفين ومؤسسات، لا يعرفون شيئا عن السودان. المصريون بلا استثناء، يجهلون السودان جهلا تاما.
إسأل أي مصري عن الثورة المهدية.
أسأله عن الأسر الفرعونية السودانية التي حكمت مصر.
أسأله عن الأحزاب السودانية.
وسوف تكتشف الجهل الفاضح.
هذا الجهل دليل على الاستخفاف بشأن السودان والسودانيين.
ويتضح هذا الاستخفاف اكثر ما يتضح في سطحية الدعوة لوحدة وادي النيل لدى الساسة المصريين.
فمنذ عام 1920 وحتى اليوم ظل هناك وباستمرار حزب سوداني واحد على الاقل يدعو لوحدة وادي النيل.
فهل سمع إنسان بحزب إتحادي في مصر؟؟
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
(2)
لهاث ساسة مصر وراء السيادة على السودان:
منذ حملة فتح السودان المشتركة بين مصر وبريطانيا 1898 وحتى استقلال السودان رسميا عن الدولتين المستعمرتين (مصر وبريطانيا) وإنهاء أغرب استعمار في العالم عام 1957، ظل الساسة المصريون باختلاف احزابهم وباختلاف توجهاتهم يلهثون بلا استثناء خلف ما اسموه "السيادة على السودان".
أسباب هذا اللهاث واضحة وبسيطة:
1 – السودان بالنسبة لمصر هو أرض الميعاد والمنقذ الوحيد لمصر من الانفجار السكاني والمجاعة. لهذا ظل الهدف الاسترتيجي لساسة مصر على اختلافهم وعلى مرّ العصور، هو الهجرة غير المقيدة إلى السودان. وقد فشل الساسة المصريون فشلا تاما في تحقيق هذا الهدف حتى منحهم المؤتمر الوطني أخيرا (الحريات الأربع)
2 – النيل يأتي لمصر عبر السودان ولا يجري أية مسافة متصلة مثل ما يجري في الأراضي السودانية. أي أن النيل سوداني أصلا، وبقية دول الحوض مجرد ضيوف. وكلما تقدم السودان وتوسع في ري أراضيه كلما تضررت مصر من نقص كمية مياه السودان الفائضة بسبب عدم التوسع في الزراعة المروية في السودان وبالتالي تدفق مياه السودان غير المستخدمة إلى الأراضي المصرية. وليس ثمة من طريقة للتحكم في حركة التوسع الزراعي في السودان إلا بأن يكون السودان تابعا تتحكم فيه المصالح المصرية. وهذا ما يحدث الآن في أواخر عهد الانقاذ المشئوم.
وسأورد هنا بعض النماذج التي توضح تكالب الساسة المصريين على السيادة على السودان وعلى السيطرة على مياه النيل، في جميع مباحثاتهم مع بريطانيا التي كانت تحتل مصر فعليا منذ ثورة عرابي. وكيف أن السيادة على السودان كانت لدى هؤلاء الساسة أهم من جلاء القوات البريطانية عن أراضيهم. وقد رفضت بريطانيا كل الدعاوى المصرية كما أفشلت الحكومات الوطنية السودانية المتعاقبة المخطط المصري تماما، حتى جاء إلى حكم السودان اخيرا من لا تهمهم سوى مقاعد السلطة فمكنوا مصر من كل ما فشلت فيه وزادوا.
لهاث ساسة مصر وراء السيادة على السودان:
منذ حملة فتح السودان المشتركة بين مصر وبريطانيا 1898 وحتى استقلال السودان رسميا عن الدولتين المستعمرتين (مصر وبريطانيا) وإنهاء أغرب استعمار في العالم عام 1957، ظل الساسة المصريون باختلاف احزابهم وباختلاف توجهاتهم يلهثون بلا استثناء خلف ما اسموه "السيادة على السودان".
أسباب هذا اللهاث واضحة وبسيطة:
1 – السودان بالنسبة لمصر هو أرض الميعاد والمنقذ الوحيد لمصر من الانفجار السكاني والمجاعة. لهذا ظل الهدف الاسترتيجي لساسة مصر على اختلافهم وعلى مرّ العصور، هو الهجرة غير المقيدة إلى السودان. وقد فشل الساسة المصريون فشلا تاما في تحقيق هذا الهدف حتى منحهم المؤتمر الوطني أخيرا (الحريات الأربع)
2 – النيل يأتي لمصر عبر السودان ولا يجري أية مسافة متصلة مثل ما يجري في الأراضي السودانية. أي أن النيل سوداني أصلا، وبقية دول الحوض مجرد ضيوف. وكلما تقدم السودان وتوسع في ري أراضيه كلما تضررت مصر من نقص كمية مياه السودان الفائضة بسبب عدم التوسع في الزراعة المروية في السودان وبالتالي تدفق مياه السودان غير المستخدمة إلى الأراضي المصرية. وليس ثمة من طريقة للتحكم في حركة التوسع الزراعي في السودان إلا بأن يكون السودان تابعا تتحكم فيه المصالح المصرية. وهذا ما يحدث الآن في أواخر عهد الانقاذ المشئوم.
وسأورد هنا بعض النماذج التي توضح تكالب الساسة المصريين على السيادة على السودان وعلى السيطرة على مياه النيل، في جميع مباحثاتهم مع بريطانيا التي كانت تحتل مصر فعليا منذ ثورة عرابي. وكيف أن السيادة على السودان كانت لدى هؤلاء الساسة أهم من جلاء القوات البريطانية عن أراضيهم. وقد رفضت بريطانيا كل الدعاوى المصرية كما أفشلت الحكومات الوطنية السودانية المتعاقبة المخطط المصري تماما، حتى جاء إلى حكم السودان اخيرا من لا تهمهم سوى مقاعد السلطة فمكنوا مصر من كل ما فشلت فيه وزادوا.
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
ي مسألة "السيادة على السودان" التي هي المرادف للسيطرة والتحكم وفرض المصالح المصرية. وفي مسألة مياه النيل التي هي أساس السعي المصري المحموم للسيطرة على السودان بالقوة العسكرية أو الاستهبال السياسي، نستشهد بمقتطفات من المباحثات المطولة والممجوجة بين المسئولين البريطانيين والساسة المصريين منذ الفتح الثنائي وحتى قبيل استقلال السودان. نكتفي بهذا القدر الضئيل من تلك المباحثات لأنها عبارة عن حلقة مفرغة من الإصرار المصري والعناد الإنجليزي.
المصدر بحث الشيخ عووضة بعنوان "السودان – المفاوضات بين الحكومة المصرية والبريطانية من 13 فبراير 1841 إلى 12 فبراير 1953" – الشركة العالمية للطباعة والنشر 2004.
في مباحثات عام 1921 المعروفة بمباحثات (عدلي – كيرزن)، ورد الحوار التالي بين ممثل الحكومة المصرية، عدلي باشا، وممثل اللورد كيرزن، مستر لدنسي، عن حكومة ملك بريطانيا العظمى:
عدلي: وإذا كان لنا أن تنكلم في السودان، فإني أحب ان أعرف أولا رأيك في مركز السودان.
كيرزن: إنه حكم ثنائي (Condominium).
عدلي: إنما الاشتراك في الادارة، أما حق السيادة فهو لمصر وحدها. كان السودان لمصر فتركته زمنا ولكنها لم تفارقها لحظة فكرة استرجاعه حتى تهيأت الظروف لإعادة فتحه، فاشتركت إنجلترا مع مصر في جزء من التجريدة التي أرسلت إليه والأموال التي انفقت عليه، ولكنها لم تدع يوما حقا في السودان بسبب ذلك الاشتراك، فإنما فتح السودان باسم مصر ولمصلحة مصر.
..............................
.............................
...........................
عدلي: وماذا ترى في مسألة النيل بصفة خاصة؟
لندسي: إن اللورد مستعد لأن يعترف لمصر بصوت جدي في قسمة مياه النيل وهو يرى أن ينشأ لهذا الغرض لجنة من نوع اللجان التي توجد في أمريكا، وإن كانت قسمة المياه في أمريكا لا يبتغى بها تنظيم الري ، وإنما تنظيم القوى الهيدروليكية.
عدلي: يجب أن يسبق التفكير في قسمة المياه تقرير ما لمصر من الحق في أن تأخذ من النيل كل ما تحتاجة من المياه لزراعة أراضيها التي تزرع حالا أو القابلة للاستصلاح والزراعة في المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد الوفد المصري على مشروع الاتفاق بين بريطانيا ومصر:
........................................................
أما مسألة السودان التي لم يكن قد تناولها البحث فلا بد لنا فيها من أن نوجه النظر إلى أن النصوص الخاصة بها لا يمكن التسليم بها من جانبنا. فإن هذه النصوص لا تكفل لمصر التمتع بما لها على تلك البلاد من حق السيادة الذي لا نزاع فيه وحق السيطرة على مياه النيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتفافية مياه النيل في 7 مايو 1929
في 25 يناير 1925 أرسل رئيس مجلس الوزراء المصري إلى المندوب السامي البريطاني خطابا قال فيه:
"طلبتم فخامتكم في المذكرة المؤرخة في 22 نوفمبر 1924 التي وجهتموها إلى سلفي من قبل حكومة حضرة صاحب الجلاله البريطانية أن تزداد مساحة الأطيان التي تروى في الجزيرة بالسودان من 300 ألف فدان إلى مقدار غير محدود "
وقد رد سلفي على هذه المذكرة بمذكرة مؤرخة في 23 نوفمبر صرح فيها بان مسألة إدخال تعديل منذ الآن على المقدار المحدد لمساحة الاراضي التي ترى بالجزيرة هي على الأقل سابقة لآوانها........................................
........ والآن وقد أعيدت لحسن الحظ العلاقات الودية بين البلدين ، فاني أرى من واجبي لفت نظر فخامتكم الى ان ما أشرتم اليه في مذكرتكم المؤرخة 23 نوفمبر قد أحدث قلقا شديدا في البلاد. ومما لا يخفى على فخامتكم انه في جميع المناقشات التي دارت بين الحكومتين فيما مضى سعيا وراء الاتفاق على نظام مياه النيل وبالأخض على مسألة توسيع نطاق الري في السودان ، ما فتئت الحكومة المصرية تطالب في حزم بما لها من الحقوق في مياه النيل .
وكان على الدوام من رأي الحكومة المصرية ان توسيع نطاق الري في السودان يجب ألا يكون من شأنه بحال من الأحوال الاضرار بالري في مصر ولا المساس بما يتوقع إنفاذه من المشاريع التي تدعو اليها الضرورة للقيام بحاجات أهالي البلاد المشتغلين بالزراعة الذين يزداد عددهم إزديادا سريعا ............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفوضات 1930 ( النحاس – هندرسون )
النحاس: وماذا في الصيغتين الخاصتين بالسودان أكثر من الإشتراك في الإدارة ، وترك الباب مفتوحا لإتفاقيات مقبلة بشأن السودان؟
مستر هندرسون: الفرق كبير جدا لأن مادتنا تشير إلى إتفاقيتي 1899 والحالة التي نجمت عنها وأن حاكم السودان يظل يمثل الطرفين مصر وإنجلترا في إدارة السودان. وأنتم تطلبون أن يشترك المتعاقدان مصر وإنجلترا في إدارة السودان إشتراكا فعليا ........................................................
وماذا تقصدون تماما بعبارة الاشتراك الفعلي؟
النحاس: نقصد بذلك رفع القيود الموضوعة على حرية المصريين بالنسبة للسودان. أي حرية الهجرة إليه وحرية الإقامة فيه وحرية التملك كذلك ....
______________________________________
أرجو ملاحظة تطابق مطالب التحاس باشا مع (الحقوق الأربع) التي كفلها المؤتمر الوطني للمصريين بعد ما يزيد عن نصف قرن من تمنع الإنجليز ورفضهم لهذا المطلب الذي يعني ان السودان مديرية مصرية.
المصدر بحث الشيخ عووضة بعنوان "السودان – المفاوضات بين الحكومة المصرية والبريطانية من 13 فبراير 1841 إلى 12 فبراير 1953" – الشركة العالمية للطباعة والنشر 2004.
في مباحثات عام 1921 المعروفة بمباحثات (عدلي – كيرزن)، ورد الحوار التالي بين ممثل الحكومة المصرية، عدلي باشا، وممثل اللورد كيرزن، مستر لدنسي، عن حكومة ملك بريطانيا العظمى:
عدلي: وإذا كان لنا أن تنكلم في السودان، فإني أحب ان أعرف أولا رأيك في مركز السودان.
كيرزن: إنه حكم ثنائي (Condominium).
عدلي: إنما الاشتراك في الادارة، أما حق السيادة فهو لمصر وحدها. كان السودان لمصر فتركته زمنا ولكنها لم تفارقها لحظة فكرة استرجاعه حتى تهيأت الظروف لإعادة فتحه، فاشتركت إنجلترا مع مصر في جزء من التجريدة التي أرسلت إليه والأموال التي انفقت عليه، ولكنها لم تدع يوما حقا في السودان بسبب ذلك الاشتراك، فإنما فتح السودان باسم مصر ولمصلحة مصر.
..............................
.............................
...........................
عدلي: وماذا ترى في مسألة النيل بصفة خاصة؟
لندسي: إن اللورد مستعد لأن يعترف لمصر بصوت جدي في قسمة مياه النيل وهو يرى أن ينشأ لهذا الغرض لجنة من نوع اللجان التي توجد في أمريكا، وإن كانت قسمة المياه في أمريكا لا يبتغى بها تنظيم الري ، وإنما تنظيم القوى الهيدروليكية.
عدلي: يجب أن يسبق التفكير في قسمة المياه تقرير ما لمصر من الحق في أن تأخذ من النيل كل ما تحتاجة من المياه لزراعة أراضيها التي تزرع حالا أو القابلة للاستصلاح والزراعة في المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد الوفد المصري على مشروع الاتفاق بين بريطانيا ومصر:
........................................................
أما مسألة السودان التي لم يكن قد تناولها البحث فلا بد لنا فيها من أن نوجه النظر إلى أن النصوص الخاصة بها لا يمكن التسليم بها من جانبنا. فإن هذه النصوص لا تكفل لمصر التمتع بما لها على تلك البلاد من حق السيادة الذي لا نزاع فيه وحق السيطرة على مياه النيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتفافية مياه النيل في 7 مايو 1929
في 25 يناير 1925 أرسل رئيس مجلس الوزراء المصري إلى المندوب السامي البريطاني خطابا قال فيه:
"طلبتم فخامتكم في المذكرة المؤرخة في 22 نوفمبر 1924 التي وجهتموها إلى سلفي من قبل حكومة حضرة صاحب الجلاله البريطانية أن تزداد مساحة الأطيان التي تروى في الجزيرة بالسودان من 300 ألف فدان إلى مقدار غير محدود "
وقد رد سلفي على هذه المذكرة بمذكرة مؤرخة في 23 نوفمبر صرح فيها بان مسألة إدخال تعديل منذ الآن على المقدار المحدد لمساحة الاراضي التي ترى بالجزيرة هي على الأقل سابقة لآوانها........................................
........ والآن وقد أعيدت لحسن الحظ العلاقات الودية بين البلدين ، فاني أرى من واجبي لفت نظر فخامتكم الى ان ما أشرتم اليه في مذكرتكم المؤرخة 23 نوفمبر قد أحدث قلقا شديدا في البلاد. ومما لا يخفى على فخامتكم انه في جميع المناقشات التي دارت بين الحكومتين فيما مضى سعيا وراء الاتفاق على نظام مياه النيل وبالأخض على مسألة توسيع نطاق الري في السودان ، ما فتئت الحكومة المصرية تطالب في حزم بما لها من الحقوق في مياه النيل .
وكان على الدوام من رأي الحكومة المصرية ان توسيع نطاق الري في السودان يجب ألا يكون من شأنه بحال من الأحوال الاضرار بالري في مصر ولا المساس بما يتوقع إنفاذه من المشاريع التي تدعو اليها الضرورة للقيام بحاجات أهالي البلاد المشتغلين بالزراعة الذين يزداد عددهم إزديادا سريعا ............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفوضات 1930 ( النحاس – هندرسون )
النحاس: وماذا في الصيغتين الخاصتين بالسودان أكثر من الإشتراك في الإدارة ، وترك الباب مفتوحا لإتفاقيات مقبلة بشأن السودان؟
مستر هندرسون: الفرق كبير جدا لأن مادتنا تشير إلى إتفاقيتي 1899 والحالة التي نجمت عنها وأن حاكم السودان يظل يمثل الطرفين مصر وإنجلترا في إدارة السودان. وأنتم تطلبون أن يشترك المتعاقدان مصر وإنجلترا في إدارة السودان إشتراكا فعليا ........................................................
وماذا تقصدون تماما بعبارة الاشتراك الفعلي؟
النحاس: نقصد بذلك رفع القيود الموضوعة على حرية المصريين بالنسبة للسودان. أي حرية الهجرة إليه وحرية الإقامة فيه وحرية التملك كذلك ....
______________________________________
أرجو ملاحظة تطابق مطالب التحاس باشا مع (الحقوق الأربع) التي كفلها المؤتمر الوطني للمصريين بعد ما يزيد عن نصف قرن من تمنع الإنجليز ورفضهم لهذا المطلب الذي يعني ان السودان مديرية مصرية.
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
3)
خيبات التيار الإتحادي ضمن الحركة السياسية السودانية
إذ كانت ثورة الشعب المصري عام 1919 تؤرخ لبداية الوعي الوطني القومي وبداية الحركة السياسية الناضجة في مصر، فان هذه الثورة المصرية، أيضا، تؤرخ للبدايات الأولى للحركة السياسية الوطنية في السودان. نعم ان الإتجاهات السياسية لم تتبلور في السودان عام 1919، ومع ذلك فان الدعاية المصرية ضد (الدخيل المستعمر)، قد وحدت العاطفة الشعبية السياسية لدى قطاعات كثيرة في السودان وربطتها بنضال الشعب المصري ضد المستعمر (الأجنبي) الذي هو بريطانيا.
وهكذا صار مفهوم الإستقلال لدي المثقف السوداني، يعني ببساطة إستقلال مصر والسودان عن المستعمر البريطاني، وقد لعبت الصحافة المصرية المؤيدة للزعماء الوطنيين المصريين، دورا هاما في توحيد عاطفة تلك القطاعات من الشعب السوداني وحفزها تجاه أهداف ثورة الشعب المصري. وقد بلغ التجاوب الشعبي السوداني مع الثورة المصرية درجة بلغت، في ذلك الوقت المبكر، قيام جمعية تدعو لإتحاد الشعبين عام 1920 وكان مقرها الخرطوم. وفي عام 1922 بدأت حركة علي عبد اللطيف تظهر للوجود لتعمل ضد محاولات المستعمر فصل السودان عن مصر. وفي عام 1924 تحولت هذه الحركة إلى (جمعية اللواء الأبيض ) المعروفة في تاريخ السودان الحديث، والتي قامت ضمن ذروة النضال الشعبي في وادي النيل في عهد تولي وزارة الزعيم المصري سعد زغلول. وسعت الجمعية بنشاط إلى إشراك الشعب السوداني في نضال الوطنيين المصريين ضد الهيمنة البريطانية، فسيرت المظاهرات وأقامت الندوات وخلقت أدبا سياسيا وحدويا قويا. وإستطاعت أن توحد أغلبية الفئات المستنيرة في المدن السودانية الكبرى، خلف شعار الإتحاد مع مصر، الذي صار لدي السودانيون رمزا لإتحاد وادي النيل. وكان عام 1924 هو عام الذروة في إنتفاضة شعب وادي النيل ضد المستعمر البريطاني المشترك، خاصة بعد مقتل الحاكم العام البريطاني للسودان السير لي ستاك في مصر وما تبع ذلك من إجراءات إتخذتها السلطات الإستعمارية في السودان ضد الوجود المصري، ومحاولتها استغلال الحادث لإضعاف الوجود المصري في السودان. ووصل التوتر في السودان إلى درجة الصدام المسلح في حوادث طلبة المدرسة الحربية في أغسطس 1924، وحوادث الطوبجية المصرية بالخرطوم بحري.
كانت الحركة السياسية السودانية الهشة بإزاء قوة بريطانيا، تمني نفسها بانفجار نضال طويل الأمد لتحرير وادي النيل، تقوده مصر ويتوج بخروج المستعمر وإتحاد شعب وادي النيل. لهذه الدرجة كان تأثير العلاقة الخاصة مع مصر قويا لدي الكثير من الفئات السياسية السودانية.
ومع كل ذلك فقد تراجع الساسة المصريون تاركين انصارهم من السودانيين يواجهون القوة الاستعمارية وحدهم ويتلقون عقابها. والثابت في كل المراجع أن الحركة السياسية السودانية قد أصابها الإحباط وانكسرت بسبب موقف ساسة مصر من الثورة في السودان وموافقة ملك مصر علي إقالة حكومة سعد زغلول وتنصيب وزارة أحمد زيور المتخاذلة والرضوخ التام للهيمنة البريطانية. وقد إستمر هذا الإحباط والإنكسار للحركة السياسية السودانية لما يزيد عن عقد من
خيبات التيار الإتحادي ضمن الحركة السياسية السودانية
إذ كانت ثورة الشعب المصري عام 1919 تؤرخ لبداية الوعي الوطني القومي وبداية الحركة السياسية الناضجة في مصر، فان هذه الثورة المصرية، أيضا، تؤرخ للبدايات الأولى للحركة السياسية الوطنية في السودان. نعم ان الإتجاهات السياسية لم تتبلور في السودان عام 1919، ومع ذلك فان الدعاية المصرية ضد (الدخيل المستعمر)، قد وحدت العاطفة الشعبية السياسية لدى قطاعات كثيرة في السودان وربطتها بنضال الشعب المصري ضد المستعمر (الأجنبي) الذي هو بريطانيا.
وهكذا صار مفهوم الإستقلال لدي المثقف السوداني، يعني ببساطة إستقلال مصر والسودان عن المستعمر البريطاني، وقد لعبت الصحافة المصرية المؤيدة للزعماء الوطنيين المصريين، دورا هاما في توحيد عاطفة تلك القطاعات من الشعب السوداني وحفزها تجاه أهداف ثورة الشعب المصري. وقد بلغ التجاوب الشعبي السوداني مع الثورة المصرية درجة بلغت، في ذلك الوقت المبكر، قيام جمعية تدعو لإتحاد الشعبين عام 1920 وكان مقرها الخرطوم. وفي عام 1922 بدأت حركة علي عبد اللطيف تظهر للوجود لتعمل ضد محاولات المستعمر فصل السودان عن مصر. وفي عام 1924 تحولت هذه الحركة إلى (جمعية اللواء الأبيض ) المعروفة في تاريخ السودان الحديث، والتي قامت ضمن ذروة النضال الشعبي في وادي النيل في عهد تولي وزارة الزعيم المصري سعد زغلول. وسعت الجمعية بنشاط إلى إشراك الشعب السوداني في نضال الوطنيين المصريين ضد الهيمنة البريطانية، فسيرت المظاهرات وأقامت الندوات وخلقت أدبا سياسيا وحدويا قويا. وإستطاعت أن توحد أغلبية الفئات المستنيرة في المدن السودانية الكبرى، خلف شعار الإتحاد مع مصر، الذي صار لدي السودانيون رمزا لإتحاد وادي النيل. وكان عام 1924 هو عام الذروة في إنتفاضة شعب وادي النيل ضد المستعمر البريطاني المشترك، خاصة بعد مقتل الحاكم العام البريطاني للسودان السير لي ستاك في مصر وما تبع ذلك من إجراءات إتخذتها السلطات الإستعمارية في السودان ضد الوجود المصري، ومحاولتها استغلال الحادث لإضعاف الوجود المصري في السودان. ووصل التوتر في السودان إلى درجة الصدام المسلح في حوادث طلبة المدرسة الحربية في أغسطس 1924، وحوادث الطوبجية المصرية بالخرطوم بحري.
كانت الحركة السياسية السودانية الهشة بإزاء قوة بريطانيا، تمني نفسها بانفجار نضال طويل الأمد لتحرير وادي النيل، تقوده مصر ويتوج بخروج المستعمر وإتحاد شعب وادي النيل. لهذه الدرجة كان تأثير العلاقة الخاصة مع مصر قويا لدي الكثير من الفئات السياسية السودانية.
ومع كل ذلك فقد تراجع الساسة المصريون تاركين انصارهم من السودانيين يواجهون القوة الاستعمارية وحدهم ويتلقون عقابها. والثابت في كل المراجع أن الحركة السياسية السودانية قد أصابها الإحباط وانكسرت بسبب موقف ساسة مصر من الثورة في السودان وموافقة ملك مصر علي إقالة حكومة سعد زغلول وتنصيب وزارة أحمد زيور المتخاذلة والرضوخ التام للهيمنة البريطانية. وقد إستمر هذا الإحباط والإنكسار للحركة السياسية السودانية لما يزيد عن عقد من
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
سباب بروز التيار الإتحادي في الحركة السياسية السودانية
في الحقيقة ثمة سبب أساسي وراء بروز تيار سياسي يدعو للاتحاد مع مصر في بدايات تكون الحركة السياسية السودانية. ذلكم السبب هو الخوف من عودة الدولة الديتية المهدية التي تعني:
1 - سيادة أهل الهامش (أولاد الغرب).
2 – سيادة الذهنية الرعوية الأمية كما تجلت في دولة الخليفة عبدالله التعايشي.
3 – الكبت الفكري ومصادرة الحريات العامة والخاصة.
لهذا فقد قامت الدعوة الاتحادية على أكتاف المتعلمين السودانيين الذين كانوا يخشون تسيد العقلية الرعوية الأمية كما في عهد الدولة المهدية. وعلى أكتاف طائفة الختمية التي عانت الكبت الديني والاضطهاد الفكري على عهد دولة الأنصار. وعلى اكتاف سكان المدن الذين حرمتهم الدولة المهدية من الحريات والرفاه الاجتماعي والتعليم والخدمات طوال ثلاثة عشر عاما. هذه هي الفئات الثلاث قد عانت من جور الدولة الدينية وهي التي كانت تطلب النجاة بالإتحاد مع مصر.
كل هذه المخاوف التي خلقت التوجه الاتحادي وسط الحركة السياسية السودانية، قد اثارها أمر واحد فقط، وهو صعود نجم إبن المهدي، السيد عبدالرحمن في بداية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
فقد أضطرت حكومة السودان الاستعمارية لهذا الأمر إضطرارا حيث أعلن خليفة المسلمين في تركيا انضمام إمبراطوريته لدول المحور المضاد لبريطانيا وحلفائها ودعى المسلمين للجهاد ضد بريطانيا. لهذا كانت حكومة السودان الاستعمارية في حاجة لخدمات السيد عبدالرحمن لإبطال هذه الدعوة الجهادية، وعلى خلفية أن السودانيين قد حاربوا الدولة التركية أخرجوها بقوة الثورة المسلحة.
ثم اتضح ان عبدالرحمن المهدي داهية سياسي ذا عقل استراتيجي جبار، وقد تفوق في الدهاء السياسي على حموكة السودان الاستعمارية. فقد استغل حرية التحرك التي منحت له، لينظم انصاره ويعين وكلاءه ومندوبيه ويدعو الأنصار للهجرة إلى الجزيرة أبا.
صعود نجم عبدالرحمن المهدي أثار مخاوف (أولاد البحر) كما أثار ذكرياتهم الأليمة مع الدولة الدينية المهدية، وليس ثمة من حام سوى مصر الطامعة في ضم السودان نهائيا لأراضيها. وهذا يعني أن الدعوة الاتحادية هي مجرد حالة ظرفية وليست مكونا جذريا في الحركة السياسية السودانية.
والدليل على صحة ما نقول هو أن قادة التيار الاتحادي قد تخلوا ببساطة عن فكرة الاتحاد مع مصر بمجرد أن أوضحت نتائج انتخابات الحكم الذاني في نهاية عام 1953، أن حزب الأمة كان أضعف مما يتخيلون ولا يشكل تهديدا للدولة السودانية المستقلة، حيث منى بهزيمة مدوية في تلك الانتخابات التي فاز بها الإتحاديون. وهذا يفسر ايضا كيف ان الاتحاديينن قد تبنوا شعار حزب الأمة (الاستقلال التام) من داخل البرلمان في مفاجئة أفرحت الأنجليز وفجرت غضب الساسة المصريين.
في الحقيقة ثمة سبب أساسي وراء بروز تيار سياسي يدعو للاتحاد مع مصر في بدايات تكون الحركة السياسية السودانية. ذلكم السبب هو الخوف من عودة الدولة الديتية المهدية التي تعني:
1 - سيادة أهل الهامش (أولاد الغرب).
2 – سيادة الذهنية الرعوية الأمية كما تجلت في دولة الخليفة عبدالله التعايشي.
3 – الكبت الفكري ومصادرة الحريات العامة والخاصة.
لهذا فقد قامت الدعوة الاتحادية على أكتاف المتعلمين السودانيين الذين كانوا يخشون تسيد العقلية الرعوية الأمية كما في عهد الدولة المهدية. وعلى أكتاف طائفة الختمية التي عانت الكبت الديني والاضطهاد الفكري على عهد دولة الأنصار. وعلى اكتاف سكان المدن الذين حرمتهم الدولة المهدية من الحريات والرفاه الاجتماعي والتعليم والخدمات طوال ثلاثة عشر عاما. هذه هي الفئات الثلاث قد عانت من جور الدولة الدينية وهي التي كانت تطلب النجاة بالإتحاد مع مصر.
كل هذه المخاوف التي خلقت التوجه الاتحادي وسط الحركة السياسية السودانية، قد اثارها أمر واحد فقط، وهو صعود نجم إبن المهدي، السيد عبدالرحمن في بداية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
فقد أضطرت حكومة السودان الاستعمارية لهذا الأمر إضطرارا حيث أعلن خليفة المسلمين في تركيا انضمام إمبراطوريته لدول المحور المضاد لبريطانيا وحلفائها ودعى المسلمين للجهاد ضد بريطانيا. لهذا كانت حكومة السودان الاستعمارية في حاجة لخدمات السيد عبدالرحمن لإبطال هذه الدعوة الجهادية، وعلى خلفية أن السودانيين قد حاربوا الدولة التركية أخرجوها بقوة الثورة المسلحة.
ثم اتضح ان عبدالرحمن المهدي داهية سياسي ذا عقل استراتيجي جبار، وقد تفوق في الدهاء السياسي على حموكة السودان الاستعمارية. فقد استغل حرية التحرك التي منحت له، لينظم انصاره ويعين وكلاءه ومندوبيه ويدعو الأنصار للهجرة إلى الجزيرة أبا.
صعود نجم عبدالرحمن المهدي أثار مخاوف (أولاد البحر) كما أثار ذكرياتهم الأليمة مع الدولة الدينية المهدية، وليس ثمة من حام سوى مصر الطامعة في ضم السودان نهائيا لأراضيها. وهذا يعني أن الدعوة الاتحادية هي مجرد حالة ظرفية وليست مكونا جذريا في الحركة السياسية السودانية.
والدليل على صحة ما نقول هو أن قادة التيار الاتحادي قد تخلوا ببساطة عن فكرة الاتحاد مع مصر بمجرد أن أوضحت نتائج انتخابات الحكم الذاني في نهاية عام 1953، أن حزب الأمة كان أضعف مما يتخيلون ولا يشكل تهديدا للدولة السودانية المستقلة، حيث منى بهزيمة مدوية في تلك الانتخابات التي فاز بها الإتحاديون. وهذا يفسر ايضا كيف ان الاتحاديينن قد تبنوا شعار حزب الأمة (الاستقلال التام) من داخل البرلمان في مفاجئة أفرحت الأنجليز وفجرت غضب الساسة المصريين.
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
ي حوالي منتصف العقد الثالث من القرن العشرين، كانت ثورة 1919 قد أتت أكلها وإستطاعت أن تنقل مصر من سيطرة الملك والإقطاع إلى تجلي البرجوازية التجارية التي قوي عودها وتطلعت للسلطة ضمن مناخ مشحون بالحس الوطني والوعي القومي المصري. وفي هذه الأجواء العلمانية، كانت الحركة الوطنية السودانية تعاود إتصالاتها السياسية بمصر في بداية ثلاثينيات القرن العشرين، بعد فترة الجمود التي أعقبت هزيمتها في عام 1924. ونضيف هنا بان التحرر العلماني والثورة البرجوازية، قد كانتا في تلك الحقبة التاريخية، من سمات النهضة في العالم الثالث. فها هي تركيا نفسها تنقلب علي الخلافة العثمانية بقيادة العلماني كمال أتاتورك عام 1924 وتؤسس دولة تركيا الحداثية العلمانية العلمانية.
لكل هذا كانت الديمقراطية العلمانية جزءا أساسيا من الدرس السياسي الذي تحصله الإتحاديون من علاقتهم بمصر في بداية الثلاثينيات. ومما ساعد علي إزكاء التوجهات العلمانية لدي التيار الإتحادي في الحركة السياسية السودانية، أن هذه الحركة قد اعتمدت في الداخل علي البرجوازية التجارية في المدن، فالمشروع الإتحادي وان بدأ لدي الصفوة من البرجوازية الصغيرة، فقد انتهي بالتدريج لدي البرجوازية التجارية التي صارت مع اشتداد عودها، هي الطبقة الإجتماعية التي منحت الإتحاديين أيديولوجيتهم وبررت تجليهم كحزب سياسي ينشد السلطة. ومن سمات برجوازية المدن هذه، النزوع للحريات العامة والحريات السياسية، فهي الطبقة التي أسست الديمقراطية العلمانية في العالم.
لقد تمفصلت تحولات التيار الإتحادي العروبي علي التحولات السياسية التي اعترت قبلة الإتحاديين، مصر، بدقة مذهلة. فقد كان التيار الإتحادي ملكيا حتى قيام ثورة 1919 في مصر ووقوع نكسة عام 1924 التي تلاها ضمور وانكماش الحركة السياسية السودانية. وعندما عاودت هذه الحركة اتصالاتها بمصر، كانت تتصل، في حقيقة الأمر بمصر أخرى، غير مصر الإقطاعية الملكية التي عهدتها قبل الثورة. كانت الملكية في مصر قد تحولت إلى ملكية دستورية ضمن نظام حكم ليبرالي بقيادة البرجوازية التجارية الصاعدة. وكان الدرس المستفاد من معاودة الاتصال بمصر، بعد عقد من الانكماش الذي اعترى الحركة الإتحادية، هو الدرس العلماني الديموقراطي.
ثم كان الحدث المفاجأة، قيام ثورة يوليو 1952 في مصر. هز هذا الحدث قناعات التيار الإتحادي في السودان هزا عنيفا. فمنذ ما قبل عام 1919 وحتى وقوع هذا الحدث المفاجأة، ظلت مصر في الخطاب السياسي الإتحادي تمثل كلا نقيا متوحدا، وكأن مصر قد كانت حزبا سياسيا واحدا وتيارا ثقافيا واحدا وشعبا بلا تناقضات! وهذا بالطبع عائد لفجاجة التيار الإتحادي في ذلك الوقت المبكر. ثم حدثت الثورة البرجوازية في مصر، كما نضج التيار الإتحادي في السودان، وكان كل شيء يبدو علي يرام، حتى فوجئ التيار الإتحادي بكل درجاته بثورة يوليو 1952، توضح للعالم أن مصر قبلة الإتحاديين النقية، شأنها شأن السودان، تمور بالإتجاهات والتيارات المتعارضة. وأن من كان الإتحاديون يركنون إليهم طوال تاريخهم، بما فيهم الملك، ما هم إلا مجموعة من الإقطاعيين والعملاء والمستغلين. وأن صوت الشعب المصري الحقيقي كان مغيبا ومقهورا، وهذا يعني أن الإتحاديين كانوا يركنون لأعداء الشعب المصري وأعداء العروبة. هكذا قالت الثورة المصرية، وهكذا بدأت مصر تتحدث لغة سياسية جديدة لم يألفها التيار الإتحادي ولم يستطع هضمها.
ورغم تجاهل المحللين السياسيين للمأزق الذي وجد الإتحاديون أنفسهم فيه عقب ثورة يوليو 1952 في مصر، فان المنطق السليم يحتم نشؤ مثل هذا المأزق. وقد ذكر قائد الجناح البكباشي حسين ذو الفقار صبري في كتابه (السيادة للسودان) إن الإتحاديين كانوا (عند تنازل الملك فاروق عن العرش، قد تقاطروا علي رئاسة الجيش المصري في السودان ليعبروا عن تهانيهم الفياضة. وتكاثرت زياراتهم، ولكن كان يبدو عليهم القلق لسبب ما) .
ورغم أن البكباشي لم يستطيع أن يقرأ هذا القلق قراءة صحيحة (من أين له، فهو مصري وعسكري كمان) وفسره بأن الإتحاديين ربما كانوا يخشون أن تتوقف المعونات المنتظمة بسقوط النظام السابق، إلا أن التحليل السليم ليدلنا على إن السبب الحقيقي وراء ذلك القلق الإتحادي هو حيرة الإتحاديين الحقيقية حول كيفية التعامل مع النظام الجديد في مصر بشعاراته ولغته الغريبة عليهم.
وهكذا لم يستطع الاتحاديون رغم فوزهم الكاسح في انتخابات الحكم الذاتي أواخر 1953، إلا أن يتبنوا، ومن داخل البرلمان الذي يسيطرون عليه، شعار حزب الأمة السياسي الداعي لخروج الدولتين المستعمرتين، مصر وبريطانيا. وهكذا تخلص السودان من شبح الاستعمار الاستيطاني المصري.
إلا ان المصريين لن ينوا جهدا في معاودة محاولات تدجين واستيطان السودان. لكن ولأن حزب الأمة قد استعاد قوته وصار رقما في كل انتخابات تلت انتخابات الجكم الذاتي، فقد وجد الساسة المصريون ضالتهم في الانقلابات العسكرية في السودان والتي لا تلبث أن ترتمي في أحضانهم تعويضا عن ضعفها السياسي داخليا.
وهذا صار الساسة المصريون ينتهزون كل انقلاب في السودان لتحقيق جزء من مخططهم الاستراتيجي في السيطرة على السودان. ففي عهد سلكة الفريق عبود العسكرية حققوا ما أرادوا من تعديل لاتفاقية مياه النيل وبناء السد العالي على حساب شعبنا في منطقة حلفا العريقة. وفي عهد سلكة الدكتاتور نميري العسكرية كادوا أن يحققوا الهدف الأكبر وهو الوحدة الإندماجية في مشروع "الجمهوريات الثلاث"
وهاهم يزحفون علينا الآن ليحتلوا أغلى أراضينا في شمال الجزيرة وهم يستعجلون إعادة الاتفاق حول تقسيم مياه النيل قبل أن تذهب الحكومة العسكرية الحالية.
لكل هذا كانت الديمقراطية العلمانية جزءا أساسيا من الدرس السياسي الذي تحصله الإتحاديون من علاقتهم بمصر في بداية الثلاثينيات. ومما ساعد علي إزكاء التوجهات العلمانية لدي التيار الإتحادي في الحركة السياسية السودانية، أن هذه الحركة قد اعتمدت في الداخل علي البرجوازية التجارية في المدن، فالمشروع الإتحادي وان بدأ لدي الصفوة من البرجوازية الصغيرة، فقد انتهي بالتدريج لدي البرجوازية التجارية التي صارت مع اشتداد عودها، هي الطبقة الإجتماعية التي منحت الإتحاديين أيديولوجيتهم وبررت تجليهم كحزب سياسي ينشد السلطة. ومن سمات برجوازية المدن هذه، النزوع للحريات العامة والحريات السياسية، فهي الطبقة التي أسست الديمقراطية العلمانية في العالم.
لقد تمفصلت تحولات التيار الإتحادي العروبي علي التحولات السياسية التي اعترت قبلة الإتحاديين، مصر، بدقة مذهلة. فقد كان التيار الإتحادي ملكيا حتى قيام ثورة 1919 في مصر ووقوع نكسة عام 1924 التي تلاها ضمور وانكماش الحركة السياسية السودانية. وعندما عاودت هذه الحركة اتصالاتها بمصر، كانت تتصل، في حقيقة الأمر بمصر أخرى، غير مصر الإقطاعية الملكية التي عهدتها قبل الثورة. كانت الملكية في مصر قد تحولت إلى ملكية دستورية ضمن نظام حكم ليبرالي بقيادة البرجوازية التجارية الصاعدة. وكان الدرس المستفاد من معاودة الاتصال بمصر، بعد عقد من الانكماش الذي اعترى الحركة الإتحادية، هو الدرس العلماني الديموقراطي.
ثم كان الحدث المفاجأة، قيام ثورة يوليو 1952 في مصر. هز هذا الحدث قناعات التيار الإتحادي في السودان هزا عنيفا. فمنذ ما قبل عام 1919 وحتى وقوع هذا الحدث المفاجأة، ظلت مصر في الخطاب السياسي الإتحادي تمثل كلا نقيا متوحدا، وكأن مصر قد كانت حزبا سياسيا واحدا وتيارا ثقافيا واحدا وشعبا بلا تناقضات! وهذا بالطبع عائد لفجاجة التيار الإتحادي في ذلك الوقت المبكر. ثم حدثت الثورة البرجوازية في مصر، كما نضج التيار الإتحادي في السودان، وكان كل شيء يبدو علي يرام، حتى فوجئ التيار الإتحادي بكل درجاته بثورة يوليو 1952، توضح للعالم أن مصر قبلة الإتحاديين النقية، شأنها شأن السودان، تمور بالإتجاهات والتيارات المتعارضة. وأن من كان الإتحاديون يركنون إليهم طوال تاريخهم، بما فيهم الملك، ما هم إلا مجموعة من الإقطاعيين والعملاء والمستغلين. وأن صوت الشعب المصري الحقيقي كان مغيبا ومقهورا، وهذا يعني أن الإتحاديين كانوا يركنون لأعداء الشعب المصري وأعداء العروبة. هكذا قالت الثورة المصرية، وهكذا بدأت مصر تتحدث لغة سياسية جديدة لم يألفها التيار الإتحادي ولم يستطع هضمها.
ورغم تجاهل المحللين السياسيين للمأزق الذي وجد الإتحاديون أنفسهم فيه عقب ثورة يوليو 1952 في مصر، فان المنطق السليم يحتم نشؤ مثل هذا المأزق. وقد ذكر قائد الجناح البكباشي حسين ذو الفقار صبري في كتابه (السيادة للسودان) إن الإتحاديين كانوا (عند تنازل الملك فاروق عن العرش، قد تقاطروا علي رئاسة الجيش المصري في السودان ليعبروا عن تهانيهم الفياضة. وتكاثرت زياراتهم، ولكن كان يبدو عليهم القلق لسبب ما) .
ورغم أن البكباشي لم يستطيع أن يقرأ هذا القلق قراءة صحيحة (من أين له، فهو مصري وعسكري كمان) وفسره بأن الإتحاديين ربما كانوا يخشون أن تتوقف المعونات المنتظمة بسقوط النظام السابق، إلا أن التحليل السليم ليدلنا على إن السبب الحقيقي وراء ذلك القلق الإتحادي هو حيرة الإتحاديين الحقيقية حول كيفية التعامل مع النظام الجديد في مصر بشعاراته ولغته الغريبة عليهم.
وهكذا لم يستطع الاتحاديون رغم فوزهم الكاسح في انتخابات الحكم الذاتي أواخر 1953، إلا أن يتبنوا، ومن داخل البرلمان الذي يسيطرون عليه، شعار حزب الأمة السياسي الداعي لخروج الدولتين المستعمرتين، مصر وبريطانيا. وهكذا تخلص السودان من شبح الاستعمار الاستيطاني المصري.
إلا ان المصريين لن ينوا جهدا في معاودة محاولات تدجين واستيطان السودان. لكن ولأن حزب الأمة قد استعاد قوته وصار رقما في كل انتخابات تلت انتخابات الجكم الذاتي، فقد وجد الساسة المصريون ضالتهم في الانقلابات العسكرية في السودان والتي لا تلبث أن ترتمي في أحضانهم تعويضا عن ضعفها السياسي داخليا.
وهذا صار الساسة المصريون ينتهزون كل انقلاب في السودان لتحقيق جزء من مخططهم الاستراتيجي في السيطرة على السودان. ففي عهد سلكة الفريق عبود العسكرية حققوا ما أرادوا من تعديل لاتفاقية مياه النيل وبناء السد العالي على حساب شعبنا في منطقة حلفا العريقة. وفي عهد سلكة الدكتاتور نميري العسكرية كادوا أن يحققوا الهدف الأكبر وهو الوحدة الإندماجية في مشروع "الجمهوريات الثلاث"
وهاهم يزحفون علينا الآن ليحتلوا أغلى أراضينا في شمال الجزيرة وهم يستعجلون إعادة الاتفاق حول تقسيم مياه النيل قبل أن تذهب الحكومة العسكرية الحالية.
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
أخوان المُتداخِلين والقُراء
كُل عام وأنتُم بِخير ... القابلا على أمانيكُم
أقرو التاريخ مِن بِدايتو ... أقرو في الرابِطالتاريخ
كُل عام وأنتُم بِخير ... القابلا على أمانيكُم
أقرو التاريخ مِن بِدايتو ... أقرو في الرابِطالتاريخ
ابوبكر الزبيدى- المشرف العام
- عدد الرسائل : 845
العمر : 45
الموقع : الخرطوم _مطار الخرطوم
المهنة : اخصائى ارصاد جوى
الهواية : كورة
تاريخ التسجيل : 15/11/2007
رد: المصريين وهمهم التاريخي السخيف
شكرا الاخ ابو بكر ,,,,وان كنت اتمني كتابة المصدر حتي نكمل ما بدأناه معك ,,,, تم نقل الموضوع الي قسم التاريخ بمنتدي الثقافة ,,, لك الشكر الكثير.
ميرغني ابراهيم- المشرف العام
- عدد الرسائل : 4016
العمر : 64
الموقع : السعودية
المهنة : طبيب
الهواية : كرة القدم
تاريخ التسجيل : 04/11/2007
أصحاب جد كوم :: المنتديات العامة :: الثقافة :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد فبراير 01, 2015 9:13 am من طرف عواد عمر
» الفنان رمضان حسن
الأحد مارس 09, 2014 11:33 am من طرف عواد عمر
» مذكرات بيل كلينتون
الخميس أكتوبر 17, 2013 9:42 pm من طرف الميزر
» صور اعجبتني
السبت يونيو 15, 2013 6:10 am من طرف فاطمة
» نكات اسحابي
الإثنين يونيو 03, 2013 1:34 am من طرف محمد الساهر
» أخطر 3 شهادات عن هروب مرسى من السجن
الخميس مايو 30, 2013 10:42 pm من طرف عازة
» من روائع الشاعر جمال بخيت
الخميس مايو 30, 2013 10:18 pm من طرف عازة
» إطلاق نــار على الفريق "سـامي عنان
الخميس مايو 02, 2013 9:00 am من طرف محمد الساهر
» عاجل..أبو تريكة فى العناية المركزة
الخميس مايو 02, 2013 8:33 am من طرف محمد الساهر
» وقفة مع البافاري : مشروع أفضل فريق يقطع الكرات
الخميس مايو 02, 2013 8:21 am من طرف محمد الساهر
» 10 أطعمة تعرضك للإصابة بمرض السرطان
الخميس مايو 02, 2013 5:18 am من طرف محمد الساهر
» أسهل وأحدث 10 طرق لإنقاص وزنك في أقل من 10 دقائق
الخميس مايو 02, 2013 1:39 am من طرف عازة
» القدرات النفسيه
الخميس مايو 02, 2013 1:11 am من طرف محمد الساهر
» تنمية قدرات العقل
الخميس مايو 02, 2013 1:08 am من طرف محمد الساهر
» مصر: تطبيق الحد الأقصى والأدنى للأجور في مايو
الخميس مايو 02, 2013 12:58 am من طرف محمد الساهر
» السجن مدى الحياة لـ"بن على" و10 لوزير داخليته
الخميس مايو 02, 2013 12:38 am من طرف سيدورف
» فتح النار على باسم يوسف لاستضافته مغنيا شاذا
الخميس مايو 02, 2013 12:32 am من طرف سيدورف
» مورينيو والريال.. قصة موت معلن؟
الخميس مايو 02, 2013 12:16 am من طرف سيدورف
» رئيس برشلونة يعترف بتفوق بايرن.. وفخور بلاعبيه
الخميس مايو 02, 2013 12:12 am من طرف سيدورف
» فساتين الزفاف
الثلاثاء أبريل 30, 2013 3:22 am من طرف عازة