وتلــك أحــــلامـهـم

- أتلك أحلامهم؟؟؟؟
آآآآآآآه....
هبّوا مذعورين من نومهم ، كانت أصوات كلاب وبكاء وصراخ تملأ عليهم الحجرة ...- دوماً ينامون وجميع الأبواب والنوافذ مفتوحة – خرجوا جميعاً دفعة واحدة ، حتى أنهم اصطدموا ببعضهم البعض عند باب الحجرة – لم يفكر أي منهم في إضاءة المكان- ......في الشارع علموا أن لصاً حاول السطو على منزل جارتهم "محاسن" – تعيش لوحدها- وأنها أردته قتيلاً بمسدسها ....الآن فقط انتبهوا الى أن سبب استيقاظهم معاً هو صوت الطلق الناري الذي أطلقته "محاسن".
• رسالة غير مكتملة من "عمار" لمحاسن وجدها "أحمد" صدفة وهو يبحث عن علبة الثقاب:-

" الجارة العزيزة ...محاسن
أغلى التحايا
لعل الدهشة تملؤك الآن وأنت تتابعين سطور هذه الرسالة ، هذا بالطبع إن لم تمزقيها حال استلامك لها ..، المهم أني سأكتب وليكن مايكون...
منذ صغري وأنا أحلم بك – لا تستغربي- فأنا أعني أنني أحلم منذ الصغر بفتاة في مواصفاتك ...جمالك ....أدبك ....بل حتى ثراك – وهذه أعني بها الإثنين : أموالك والأرض التي تضم خطواتك- ...إذاً فأنا السعيد بسكننا قربك ، والذي أحسست معه أن أحلامي ستتحقق ، لكنك أصررت على الإنزواء بعيداً وعلى الجفوة.......فلماذا؟؟؟؟
هنا تتوقف السطور.
- محاسن؟؟؟؟
آآآآآآآآه
كانت دائماً موضوعاً رئيساً في جلساتهم ، هذه الحسناء بارعة الجمال ...لِمَ لم تتزوج؟؟؟؟ ولماذا تعيش وحدها؟؟؟ أين أهلها ؟؟ وهل صحيح أن عدد من أحبوها فاق أضعاف عدد شعر رأسها؟؟؟؟
فهي تضرب حول نفسها سياجاً شائكاً وسوراً أعلى من سور " قبة الشيخ الحسين" والذي صار مضرب مثل لكل من رآه – والشيخ الحسين هذا تقول الروايات إنه كان من أنصار الإمام المهدي الذين أتوا معه من شمال القطر واستقروا بالجزيرة ، وهو الجد الرابع ل"جمال"-
• صفحات من مذكرات "جمال" والتي لا يكتبها إلا بعد التأكد من نوم جميع سكان "الباستيل":-1
يناير:
خرجت علينا كبدر بعد طول ظلام ، كانت المرة الأولى التي نراك فيها ، أنت جميلة ولا شك ، ولو كنت أؤمن بالحب من أول نظرة ...، لأعلنت أني أحبك.
2 ديسمبر:
هل هذا معقول؟؟؟؟ خمسة عشر يوماً كاملاً ولا نراك؟؟؟ والمخيب للآمال أنه لا أخبار عنك....ترى أين أنت الآن؟؟؟؟
3 يوليو:
لم أتمكن من كتابة مذكراتي ولليوم الثالث على التوالي بسبب انشغالنا مع "محاسن" مابين قسم الشرطة واجراءات المحامين ...والمحكمة.
الغريب .....أن وكيل النيابة قال إنه لم يكن لصاً!!!! وأنه ربما كان من معجبيها – المهم أنه كان على علاقة بها - وأن زيارته لها كانت برضاها . لكن الجريمة تمت بعدما حاول هو الإعتداء عليها ولا دليل على ذلك سوى روايتها هي....ولا يوجد أيضاً مايؤكد زعم وكيل النيابة.
تخيّلوا .!!؟؟ "محاسن" سجينة ....آه يازمان البؤس.
انتهت الصفحات المختارة.
- جمال؟؟؟؟؟

آآآآآآه
خرج مبكراً من قريتهم ولم يستطع العودة لها دون إنجاز.ذلك الفتى الأسمر النحيل ، طويل القامة – تلك الصفات التى يمكن إطلاقها على جميع السودانيين- يعمل في مصلجة الضرائب ودائماً يردد أنه لا علاقة بين الضرائب المأخوذة من الشعب وبين الخدمات التي تقدمها الحكومة...
وجمال هذا كان صديقاً ل"عمار".
- عمار؟؟؟؟؟

آآآآآآآه
هذا الشاب الذي أدمن إنشاد بيتي المتنبئ :
(رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاءٍ من نبال
فصرت إذا أصابتني سهامٌ
تكّسرت النصال على النصال)
أحب أمه وأباه ...............فصارا الى طلاق
أحب "آثار" جارتهم...............فكرهته
أحب شقيقه " عاصم"............فمات
أحب دراسته...........ففصل من الجامعة
أحب وطنه..............ف.........!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟
عمار الآن يحب "محاسن" جارتهم وهي بما حدث متهمة في جريمة قتل....، وكذلك يحبها "أحمد".

• أحمد يحكي لإيمان بعد زيارته لها عقب عودتها من أمريكا والتي قضت بها عامين:
" ....أتصدقين بأنني أقسمت أن لا حب بعدك؟! لكنها فاجأتني وجعلتني أحنث بقسمي....حطّمت كل دفاعاتي ودون أن أحادثها أو تحادثني ، لكنهم أخذوها – أحد عشر يوماً ولا نراها- هل هذا منطقي؟؟؟ ثم مايحيرني ....أنني علمت أنها سُجنت مرتين قبل هذه ، وفي المرتين كان يخرجها محبوها أصحاب النفوذ اللامحدود والذين لا حصر لهم......سجنوها يا إيمان.....سجنوها.

- أحمد؟؟؟؟

آآآآآآآه
حين التقاه عمار وجمال مصادفة بالمواصلات كان عائداً لتوه من زفاف إيمان – كان سبب تعارفهم شجاراً مشتركاً مع "الكمساري"- وأحمد في ذلك الوقت طالب سنة نهائية بكلية الآداب جامعة الخرطوم ، عرضا عليه زيارتهما في منزلهما المسمى ب"الباستيل" وحين أعجبه المقام ، قرر الإنضما لهما ، ليبصبح الإسم الذي يطلقه أهل الحي على منزلهم هو "بيت العزابة" ويصرِّون هم على اسم "الباستيل".
واحدة من أسباب موافقة أحمد على السكن مع عمار وجمال كانت "محاسن" ...ففي أول زيارة له ، لمحها وهي تدخل بسيارتها الفارهة..، ولما سأل عنها رفيقاه ، أجابا بأنهما لا يعلمان عنها الكثير ، سوى ...اسمها ، وأنها تعيش لوحدها ، فلا تزور أحد ولا يزورها أحد ، ولا يعلمون مكان عملها ، ولا أهلها..، ولم يتجرأ أحد على محاولة التودد لها لأن كل القصص المتواترة عن الذين حاولوا ذلك تنصح بعدم تكرار التجربة.

• تفاصيل حوار دار بين الثلاثة عن "محاسن" وكيفية إخراجها من سجنها:-

- جمال: أنا أفضِّل أن ننتظر العفو الذي ستصدره الحكومة قريباً – حسب تصريحات الرئيس الأخيرة-...
- أحمد: إذا كنت ستنتظر ، فانتظر لوحدك .أما أنا ومَن يقتنع برأيّ من الجيران فسنسعى لتهريبها من السجن وبأي ثمن – هل تعلم ما معنى إعدام؟؟- حتى لو دعا الأمر لأن يُقبض علينا ونُسجن معها.
- عمار: أنا أنا فأرى أن نخاطب كل أصدقائها ومحبيها ...أصحاب النفوذ الحقيقي ليسعوا لإخراجها ، وأرجوكم...حاولوا توحيد آرائكم لأننا إن لم نتفق فسيكون كل ما نفعله بلا معنى.

- التجربــــــة؟؟؟؟؟؟
آآآآآآآآه
الآن يحس عمار بخوف شديد لا يدري مبعثه...هل هو بسبب جثة اللص؟؟؟ أم بسبب صراخ نسوة الحي؟؟؟أم لأن محاسن تبكي بعصبية وهي ما تزال ممسكة بالمسدس؟؟؟؟
فكر عمار أن خوفه ربما كان لأن لا أحد تخيّل قبل اليوم أنها محصنة لدرجة المسدسات.....أو ...ربما لأن هذا التوقيت هو نفس التوقيت الذي اقتيد فيه لتجربة المعتقل.

• بلاغ ورد لنفس قسم الشرطة الذي أُخذت منه "محاسن" للمحكمة ، وبعدها للسجن ولم يتجاوب معه الضابط المسئول:-

(بهذا.......فقد أبلغ سكان حي"....." عن اختفاء ثلاثة من أهل الحي – يقيمون بمنزل واحد- منذ أكثر من أسبوع ...، ولم يُعثر لهم على أثر!!!)

- المعتقل؟؟؟؟

آآآآآآآآه
" ناموا على جوعٍ فما عرفوا هنا طعم ابتسام"
-محي الدين فارس-
ناموا...
وكل منهم يحلم أن يوافقه الآخران على رأيه حتى تخرج "محاسن" مرة أخرى للنور........ناموا ......والليل يعلم
والحزن يعلم
والشمس –كذلك- تعلم
أنَّ........تلك أحلامهم

أم درمان 2000.2.21م